للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحدَّ كفَّارةٌ لمن أقيم عليه (١)، وذكر ابنُ جرير الطبري في هذه المسألة اختلافاً بين الناس، ورجَّحَ أنَّ إقامة الحدِّ بمجرَّده كفارة، ووهَّن القول بخلاف ذلك جداً (٢).

قلت: وقد رُوي عن سعيد بن المسيب وصفوانَ بنِ سليم أنَّ إقامة الحدِّ ليس بكفَّارة، ولابدَّ معه من التَّوبة، ورجَّحه طائفة من المتأخِّرين، منهم: البغويُّ (٣)، وأبو عبد الله بن تيمية في " تفسيريهما "، وهو قولُ ابنِ حزم الظاهري (٤)، والأوّل قولُ مجاهد وزيد بن أسلم والثوري وأحمد.

وأما حديث أبي هريرة المرفوع: «لا أدري: الحدودُ طهارةٌ لأهلها أم لا؟» فقد خرَّجه الحاكم وغيره (٥)، وأعلَّه البخاري، وقال: لا يثبت، وإنَّما هوَ من مراسيل الزهريِّ، وهي ضعيفةٌ، وغلط عبد الرزاق فوصله، قالَ: وقد صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحدود كفارة (٦).

ومما يستدلُّ به من قال: الحدّ ليس بكفارة قولُه تعالى في المحاربين: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (٧) وظاهره أنَّه تجتمع لهم عقوبة الدنيا والآخرة. ويُجابُ عنه بأنَّه ذكر عقوبتهم في الدنيا وعقوبتهم في الآخرة (٨)، ولا يلزم اجتماعهما، وأما


(١) أخرجه: البيهقي في " السنن الكبرى " ٨/ ٣٢٩، عن علي، موقوفاً.
وأخرجه مرفوعاً: أحمد ١/ ٩٩ و ١٥٩، والترمذي (٢٦٢٦)، وابن ماجه (٢٦٠٤)، والحاكم ١/ ٧ و ٢/ ٤٤٥ و ٤/ ٢٦٢، والدارقطني ٣/ ٢١٥، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٥٠٣)، والبيهقي ٨/ ٣٢٨، والبغوي (٤١٨٢) من طرق عن أبي جحيفة، عن علي، به مرفوعاً، وقال الترمذي: «حسن غريب» وذكر الدارقطني في " علله " ٣/ ١٢٨ - ١٢٩
س (٣١٦) ثم قال: «رفعه صحيح».
(٢) ذكره: الطبري في " تفسيره " عقب (٩٢٩٦).
(٣) انظر: تفسير البغوي ٢/ ٥٠.
(٤) انظر: المحلى ١٣/ ٩.
(٥) أخرجه: الحاكم ١/ ٣٦ و ٢/ ١٤ و ٤٥٠، والبيهقي ٨/ ٣٢٩ من حديث أبي هريرة، به.
(٦) انظر: التاريخ الكبير ١/ ١٥٤ (٤٥٥)، وتفصيل ذلك في كتابي " الجامع في العلل ".
(٧) المائدة: ٣٣ - ٣٤.
(٨) في (ص): «في الدنيا وفي الآخرة».

<<  <   >  >>