للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

باجتناب الكبائر (١)، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} (٢). هذا ممَّا اختلف الناسُ فيه.

فمنهم من أوجب التوبة منها، وهو قولُ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم.

وقد أمرَ الله بالتوبةِ عَقيبَ ذكر الصغائرِ والكبائرِ، فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ

وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} إلى قوله

: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٣).

وأمر بالتوبة من الصَّغائر بخصوصها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٤).

ومن النَّاس من لم يُوجب التوبة منها، وحكي عن طائفةٍ من المعتزلة، ومن المتأخرين من قال: يجبُ أحد أمرين، إمَّا التوبةُ منها، أو الإتيانُ ببعض المكفِّرات للذُّنوب من الحسنات.

وحكى ابنُ عطية في " تفسيره " (٥) في تكفير الصَّغائر بامتثالِ الفرائض واجتناب الكبائر قولين:

أحدهما - وحكاه عن جماعة من الفقهاء وأهل الحديث -: أنَّه يُقطع بتكفيرها بذلك قطعاً، لظاهر الآية والحديث.

والثاني - وحكاه عن الأصوليين -: أنَّه لا يُقطع بذلك، بل يُحمل على غلبة الظنِّ وقوَّة الرجاء، وهو في مشيئة الله - عز وجل -، إذ لو قطع بتكفيرها لكانتِ الصَّغائرُ في حكم المباح الذي لا تَبِعَةَ فيه، وذلك نقضٌ لِعُرى الشريعة.


(١) زاد بعدها في (ص): «منها».
(٢) النساء: ٣١.
(٣) النور: ٣٠ - ٣١.
(٤) الحجرات: ١١.
(٥) تفسير ابن عطية ٤/ ٣٣.

<<  <   >  >>