للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلت: قد يقال: لا يُقطع بتكفيرها؛ لأنَّ أحاديث التَّكفير المطلقة بالأعمال جاءت مقيَّدة بتحسين العمل، كما ورد ذلك في الوضوء والصَّلاة، وحينئذٍ فلا يتحقَّق وجودُ حسن العملِ الذي يوجب التَّكفير، وعلى هذا الاختلاف الذي ذكره ابنُ عطية ينبني الاختلافُ في وجوب التوبة من الصغائر.

وقد خرَّج ابنُ جرير من رواية الحسن: أنَّ قوماً أتوا عمر، فقالوا: نرى أشياءَ من كتاب الله لا يُعْمَلُ بها، فقال لرجلٍ منهم: أقرأتَ القرآن كُلَّه؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهمَّ لا، قال: فهل أحصيتَه في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثَرِك؟ ثم تتبَّعهم حتَّى أتى على آخرهم، ثم قال: ثكِلَت عمرَ أمُّه، أتكلفونه أنْ يُقيمَ على النَّاس كتاب الله؟ قد علم ربُّنا أنَّه سيكون لنا سيئات (١)، قال: وتلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} (٢).

وبإسناده عن أنس بن مالك: أنَّه قال: لم أرَ مثلَ الذي بلغنا عن ربِّنا تعالى، ثم لم نَخْرُجْ له عن كلِّ أهلٍ ومالٍ، ثم سكت، ثم قال: والله لقد كلَّفنا ربنا أهونَ من ذلك، لقد تجاوزَ لنا عمَّا دونَ الكبائر، فمالنا ولها، ثم تلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً}

وخرَّجه البزار في " مسنده " مرفوعاً، والموقوف أصحُّ (٣).

وقد وصف الله المحسنينَ باجتناب الكبائر قال تعالى: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ

الْمَغْفِرَةِ} (٤).

وفي تفسير اللمم قولان للسَّلف:

أحدهما: أنَّه مقدمات الفواحش كاللمس والقبلة (٥)،


(١) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٧٣١٣).
(٢) النساء: ٣١.
(٣) الرواية الموقوفة أخرجها: البزار كما في " كشف الأستار " (٢٢٠٠)، والطبري في
" تفسيره " (٧٣١٤)، وطبعة التركي ٦/ ٦٥٩، ولم أقف على الرواية المرفوعة لفظاً.
(٤) النجم: ٣١ - ٣٢.
(٥) أخرجه: أحمد ٢/ ٢٧٦، والبخاري ٨/ ٦٧ (٦٢٤٣) و ٨/ ١٥٦ (٦٦١٢)، ومسلم ٨/ ٥١ (٢٦٥٧) (٢٠)، وأبو داود (٢١٥٢)، وابن حبان (٤٤٢٠)، والبيهقي ٧/ ٨٩ و ١٠/ ١٨٦، والبغوي (٧٥) من طرق عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه». اللفظ للبخاري، قال النووي في " شرح صحيح مسلم " ٨/ ٥١
(٢٦٥٧): « … إن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر وهي اللمم وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس ونحوهما وهو كما قال: هذا هو الصحيح في تفسير اللمم».

<<  <   >  >>