للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عباس: هو ما دُونَ الحدِّ من وعيد الآخرة بالنار وحدِّ الدُّنيا (١).

والثاني: أنَّه الإلمامُ بشيء من الفواحش والكبائر مرَّةً واحدةً، ثم يتوبُ منه (٢)، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة، وروي عنه مرفوعاً بالشَّكِّ في رفعه، قال: اللمة من الزنى ثم يتوب فلا يعود، واللمة من شرب الخمر، ثم يتوب فلا يعود، واللمة من السرقة، ثم يتوب فلا يعود (٣).

ومن فسَّر الآية بهذا قال: لابدَّ أنْ يتوبَ منه بخلاف مَنْ فسَّره بالمقدِّمات، فإنَّه لم يشترط توبة.

والظاهرُ أنَّ القولين صحيحان، وأنَّ كليهما مرادٌ من الآية، وحينئذٍ فالمحسنُ: هو من لا يأتي بكبيرة إلا نادراً ثم يتوبُ منها، ومن إذا أتى بصغيرةٍ كانت مغمورةً في حسناته المكفرة لها، ولابدَّ أنْ لا يكون مُصِراً عليها، كما قال تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٤). وروي عن ابن عباس أنَّه قال: لا صَغيرة مع الإصرار، ولا كبيرةَ مع الاستغفار، وروي مرفوعاً من وجوهٍ ضعيفةٍ (٥).

وإذا صارت الصغائر كبائر بالمداومة عليها، فلا بُدَّ للمحسنين من اجتناب المداومة على الصغائر حتى يكونوا مجتنبين لكبائر الإثم والفواحش، وقال الله - عز وجل -: {وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (٦).


(١) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٥٢١٨).
(٢) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٥٢٠٨) و (٢٥٢١١) و (٢٥٢١٣)، والحاكم ٢/ ٤٦٩.
(٣) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٥٢٠٩).
(٤) آل عمران: ١٣٥.
(٥) أخرجه: القضاعي في " مسند الشهاب " (٨٥٣).
(٦) الشورى: ٣٦ - ٤٠.

<<  <   >  >>