للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو هريرة: يُدني الله العبدَ يومَ القيامة، فيضع عليه كَنَفَهُ، فيسترُه مِنَ الخلائق كُلِّها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابنَ آدم كتابَك، فيقرأ، فيمر بالحسنة، فيبيضُّ لها وجهُهُ، ويُسرُّ بها قَلبُه، فيقولُ الله: أتعرِفُ يا عبدي؟ فيقول: نعم، فيقول: إنِّي قبلتها منك، فيسجد، فيقول: ارفع رأسَك وعُد في كِتابك، فيمر

بالسيِّئة، فيسودُّ لها وجهه، ويَوْجَلُ منها قلبُه، وترتعدُ منها فرائصُهُ، ويأخذه من الحياء من ربِّه ما لا يعلمُه غيرُه، فيقول: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: إنِّي قد غفرتُها لك، فيسجدُ، فلا يرى منه الخلائقُ إلاَّ السُّجود حتى ينادي بعضهم بعضاً: طوبى لهذا العبد الذي لم يَعصِ الله قطُّ، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبينَ ربِّه ممَّا قد وَقَفَهُ عليه (١).

وقال أبو عثمان النَّهديُّ، عن سلمان: يُعطى الرجل صحيفته يوم القيامة، فيقرأ أعلاها، فإذا سيئاته، فإذا كادَ يسوء ظنه، نظر في أسفلها، فإذا حسناته، ثم نظر في أعلاها فإذا هي قد بُدِّلت حسنات (٢). ورُوي عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، وعن أبي عثمان من قوله وهو أصحُّ.

وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن بعض أصحاب معاذ بن جبل قال: يدخل أهلُ الجنة الجنة على أربعة أصناف: المتقين، ثم الشاكرين، ثم الخائفين، ثم أصحاب اليمين. قيل: لم سُمُّوا أصحابَ اليمين؟ قال: لأنَّهم عملوا الحسنات والسيئات، فأعطوا كتبهم بأيمانهم، فقرؤوا سيئاتهم حرفاً حرفاً قالوا: يا ربَّنا هذه سيِّئاتنا فأين حسناتُنا؟ فعندَ ذلك محا الله السيِّئات، وجعلها حسنات، فعند ذلك قالوا: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} (٣) فهم أكثرُ أهل الجنة (٤). وأهلُ هذا القول قد يحملون أحاديث محو السيئات بالحسنات على محو عقوباتها دون محو كتابتها من الصحف، والله أعلم.


(١) أخرجه: ابن أبي عاصم في " الزهد " ١/ ١٧٢ من طريق أبي عمران الجوني، عن أبي هريرة، به.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٣٢٨.
(٣) الحاقة: ١٩.
(٤) أخرجه: ابن أبي حاتم، وابن المبارك في " الزهد "، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والخطيب كما في " الدر المنثور " ٦/ ٤١٠.

<<  <   >  >>