للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فمن حفظ الله حَفِظَهُ الله من كُلِّ أذى. قال بعضُ السَّلف: من اتقى الله، فقد حَفِظَ نفسه، ومن ضيَّع تقواه، فقد ضيَّع

نفسه، والله الغنىُّ عنه.

ومن عجيب حفظِ الله لمن حفظه أنْ يجعلَ الحيوانات المؤذية بالطبع حافظةً له من الأذى، كما جرى لِسَفِينةَ مولى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث كُسِرَ به المركبُ، وخرج إلى جزيرة، فرأى الأسدَ، فجعل يمشي معه حتَّى دلَّه على الطريق، فلمَّا أوقفه عليها، جعل يُهَمْهِمُ كأنَّه يُوَدِّعُهُ، ثم رجع عنه (١).

ورؤي إبراهيمُ بن أدهم نائماً في بستان وعنده حَيَّةٌ في فمها طاقةُ نَرجِس، فما زالت تذبُّ عنه حتَّى استيقظ (٢).

وعكسُ هذا أنَّ من ضيع الله، ضيَّعهُ الله، فضاع بين خلقه حتى يدخلَ عليه الضررُ والأذى ممن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم، كما قال بعض السَّلف: إني لأعصي

الله، فأعرِفُ ذلك في خُلُقِ خادمي ودابَّتي (٣).

النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينَه عندَ

موته، فيتوفَّاه على الإيمان، قال بعض السلَّف: إذا حضر الرجل الموت يقال للملك: شمَّ رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، قال: شمَّ قلبه، قال: أجد في قلبه الصيام، قال: شمَّ قدميه، قال: أجد في قدميه القيام، قال: حَفظَ نفسَه، فحفظه الله.

وفي " الصحيحين " عن البراء بن عازب (٤)،


(١) أخرجه: البزار كما في "كشف الأستار" (٢٧٣٣) وهو في "مسنده" (٣٨٣٨)، والطبراني في " الكبير " (٦٤٣٢)، والحاكم ٣/ ٦٠٦، وانظر: مجمع الزوائد ٩/ ٣٦٦ - ٣٦٧.
(٢) سرد هذه القصة عبد الله بن فرج العابد. انظر: حلية الأولياء ٨/ ١٠٩، وصفة الصفوة ٢/ ١٠٥.
(٣) قال هذا الكلام: الفضيل بن عياض. انظر: حلية الأولياء ٨/ ١٠٩.
(٤) الذي وجدناه في الصحيحين عن أبي هريرة.
أخرجه: البخاري ٩/ ١٤٥ (٧٣٩٣)، ومسلم ٨/ ٧٩ (٢٧١٤).
وأخرجه: عبد الرزاق (١٩٨٣٠)، وأحمد ٢/ ٢٤٦، وابن ماجه (٣٨٧٤)، والترمذي
(٣٤٠١)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (٧٩١)، وابن حبان (٥٥٣٥).
ورواية البراء بن عازب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة. ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك. وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك. لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت. وبنبيك الذي أرسلت. واجعلهن من آخر كلامك. فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة».
أخرجه: الطيالسي (٧٠٨)، وأحمد ٤/ ٢٩٠، والبخاري ١/ ٧١ (٢٤٧) و ٨/ ٨٤

(٦٣١١)، ومسلم ٨/ ٧٧ (٢٧١٠) (٥٧) و (٥٨)، وأبو داود (٥٠٤٦)
و (٥٠٤٨)، والترمذي في " الدعوات " (٣٥٧٤)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة "
(٧٨٠) و (٧٨٢) و (٧٨٥).

<<  <   >  >>