للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

في الأرض، فمن عَمِلَ منهُم عملَ الآخرةِ للدُّنيا، لم يكنْ له في الآخرةِ (١) نصيبٌ».

واعلم أنَّ العمل لغيرِ الله أقسامٌ: فتارةً يكونُ رياءً محضاً، بحيثُ لا يُرادُ به سوى مراآت المخلوقين لغرضٍ دُنيويٍّ، كحالِ المنافِقين في صلاتهم، كما قال الله - عز وجل -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً} (٢).

وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} الآية (٣).

وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرِّياء في قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله} (٤).

وهذا الرِّياءُ المحضُ لا يكاد يصدُرُ من مُؤمنٍ في فرض الصَّلاةِ والصِّيامِ، وقد يصدُرُ في الصَّدقةِ الواجبةِ أو الحجِّ، وغيرهما من الأعمال الظاهرةِ، أو التي يتعدَّى نفعُها، فإنَّ الإخلاص فيها عزيزٌ، وهذا العملُ لا يشكُّ مسلمٌ أنَّه حابِطٌ، وأنَّ صاحبه يستحقُّ المقتَ مِنَ اللهِ والعُقوبة (٥).

وتارةً يكونُ العملُ للهِ، ويُشارِكُه الرِّياءُ، فإنْ شارَكَهُ مِنْ أصله، فالنُّصوص الصَّحيحة تدلُّ على بُطلانِهِ وحبوطه أيضاً (٦).

وفي " صحيح مسلم " (٧) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقولُ الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشُّركاءِ (٨) عن الشِّرك، مَنْ عَمِل عملاً أشركَ فيه


(١) زاد بعدها في (ص): «من».
(٢) النساء: ١٤٢.
(٣) الماعون: ٤ - ٦.
(٤) الأنفال: ٤٧.
(٥) روي أنَّ لقمان قال لابنه: الرياء أنْ تطلب ثواب عملك في دار الدنيا، وإنَّما عمل القوم للآخرة، قيل له: فما دواء الرياء؟ قال: كتمان العمل، قيل له: فكيف يكتم العمل؟ قال: ما كلفت إظهاره من العمل فلا تدخل فيه إلا بالإخلاص، وما لم تكلف إظهاره أحب ألا تطلع عليه إلا الله. انظر: تفسير القرطبي ٥/ ١٨٢.
(٦) سقطت من (ص).
(٧) ٨/ ٢٢٣ (٢٩٨٥) (٤٦).
(٨) في (ج) و (ص): «الأغنياء»، والمثبت من " صحيح مسلم ".

<<  <   >  >>