للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فالرَّاضي لا يتمنّى غيرَ ما هو عليه من شدَّةٍ ورخاء، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما (١). وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر.

فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ، قال الله تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (٢) قال بعض السَّلف: الحياة الطيبة: هي الرضا والقناعة (٣). وقال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين (٤).

وأهل الرضا تارةً يلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء، وأنَّه غير متَّهم في قضائه، وتارةً يُلاحظون ثوابَ الرِّضا بالقضاء، فيُنسيهم ألم المقتضي به، وتارةً يُلاحظون عظمةَ المبتلي وجلالَه وكمالَه، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعرون بالألم، وهذا يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ، حتى ربَّما تلذَّذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، كما قال بعضهم: أوجدهم في عذابه عُذوبة.

وسئل بعضُ التابعينَ عن حاله في مرضه، فقال: أحبُّه إليه أحبُّه إليَّ (٥). وسُئلَ السريّ: هل يجد المحبُّ ألم البلاء؟ فقالَ: لا. وقال بعضهم:

عذابُه فيكَ عَذْبُ … وبُعْدُهُ فيكَ قُرْبُ

وأَنْتَ عِندي كرُوحي … بل أَنْتَ مِنها أَحَبُّ

حسْبي مِنَ الحُبِّ أنِّي … لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ

والدرجة الثانية: أنْ يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء،


(١) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (٢٠٧) عن أبي سعيد الخدري، به. وزاد في أوله
«إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله».
(٢) النحل: ٩٧.
(٣) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (١٦٥٢٦) عن علي، به.
وأخرجه: الطبري في " تفسيره " (١٦٥٢٧) عن الحسن البصري، به.
وأخرجه: الحاكم ٢/ ٣٥٦ عن ابن عباس، به.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ١٥٦.
(٥) أخرجه: الطبراني في " الكبير " ١٨/ (١٩٣) من قول عمران بن الحصين.

<<  <   >  >>