للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر. قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (١)، وقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ

الْمُهْتَدُونَ} (٢). قال الحسن: الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معولُ المؤمن (٣).

والفرق بين الرضا والصبر: أنَّ الصَّبر (٤): كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم، وتمنِّي زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم، وإنْ وجدَ الإحساسُ

بالألم، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرِّضا، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية كما سبق.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أنَّ النَّصر مع الصَّبر» هذا موافق لقول الله - عز وجل -: {قَالَ

الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ

الصَّابِرِينَ} (٥)، وقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (٦). وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس: بم قاتلتُمُ الناس؟ قالوا: بالصبر، لم نلق قوماً إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا. وقال بعض السَّلف: كلنا يكره الموت وألم الجراح، ولكن نتفاضل بالصَّبر. وقال البطَّال (٧):

الشجاعةُ صبرُ ساعة.


(١) الزمر: ١٠.
(٢) البقرة: ١٥٥ - ١٥٧.
(٣) أخرجه: هناد في " الزهد " (٣٩٣)، وابن أبي عاصم في " الزهد " ١/ ٢٩٣، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٥/ ٣٤٢ عن عمر بن عبد العزيز، بلفظ: الرضا قليل ولكن الصبر معول المسلم. ولم أقف على قول الحسن.
(٤) عبارة: «أن الصبر» لم ترد في (ص).
(٥) البقرة: ٢٤٩.
(٦) الأنفال: ٦٦، وهذه الآية لم ترد في (ص).
(٧) هو أبو محمد عبد الله بن البطال، ذكره الذهبي ضمن الذين توفوا في سنة ثلاث عشرة ومئة، وقال عنه: أوطأ الروم خوفاً وذُلاً. ولكن كُذِبَ عليه أشياء مستحيلة في سيرته الموضوعة.
انظر: سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٦٨، وتاريخ الإسلام (١٠١ - ١٢٠ هـ ‍): ٣٠٧.

<<  <   >  >>