للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: «إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت» في معناه قولان:

أحدهما: أنَّه ليس بمعنى الأمر: أنْ يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذمِّ والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان:

أحدهما: أنَّه أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، والمعني: إذا لم يكن لك حياء، فاعمل ما شئت، فإنَّ الله يُجازيك عليه، كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (١)، وقوله: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (٢) وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -

: «من باع الخمر، فَليُشَقِّص الخنازير» (٣)،

يعني: ليقطعها إما لبيعها أو لأكلها، وأمثلته متعدِّدة وهذا اختيارُ جماعة، منهم: أبو العباس ثعلب.

والطريق الثاني: أنَّه أمرٌ، ومعناه: الخبر، والمعنى: أنَّ من لم يستحي، صنع ما شاء، فإنَّ المانعَ من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياءٌ، انهمك في كُلِّ فحشاء ومنكر، وما يمتنع من مثله من له حياء على حدِّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَب عليَّ متعمداً (٤)، فليتبوَّأ مقعده من النارِ» (٥)،

فإنَّ لفظه لفظُ الأمر، ومعناه الخبر، وإنَّ من كذب عليه تبوأ مقعده من النار، وهذا اختيارُ أبي عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله -، وابنِ قتيبة، ومحمدِ بن نصر المروزي وغيرهم، وروى أبو داود عن الإمام أحمد ما يدلُّ على مثل هذا القول.


(١) فصلت: ٤٠.
(٢) الزمر: ١٥.
(٣) أخرجه: الحميدي (٧٦٠)، وأحمد ٤/ ٢٥٣، والدارمي (٢١٠٢)، وأبو داود
(٣٤٨٩)، والطبراني في " الكبير " ٢٠/ (٨٨٤) وفي " الأوسط "، له (٨٥٣٢)، والبيهقي ٦/ ١٢، وإسناده ضعيف لجهالة حال عمر بن بيان التغلبي.
قوله: «فليشقص الخنازير» معناه: فليقطع الخنازير قطعاً ويعضيها إعضاءاً كما يفعل بالشاة إذا بيع لحمها، المعنى: من استحل بيع الخمر، فلْيستحل بيع الخنازير، فإنَّهما في التحريم سواء، وهذا لفظ معناه النهي، تقديره: من باع الخمر فليكن للخنازير قصاباً. انظر: لسان العرب ٧/ ١٦٣.
(٤) سقطت من (ج).
(٥) أخرجه: الطيالسي (٢٤٢٠)، وأحمد ٢/ ٤١٠ و ٤٦٩ و ٥١٩، والدارمي (٥٥٩)، والبخاري ١/ ٣٨ (١١٠) و ٨/ ٥٤ (٦١٩٧)، ومسلم ١/ ٧ (٢) (٣) من حديث أبي هريرة، به، وهو حديث متواتر انظر تخريج بعض طرقه في تعليقي على " شرح التبصرة والتذكرة " ١/ ١٤٨ - ١٤٩.

<<  <   >  >>