للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وفي حديث ابن مسعود: «الاستحياءُ مِنَ الله أنْ تحفَظَ الرَّأسَ وما وعى، والبطن وما حوى، وأنْ تذكر الموتَ والبِلَى، ومن أراد الآخرة تركَ زينةَ الدُّنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيى مِنَ الله» خرَّجه الإمامُ أحمد والترمذي مرفوعاً (١).

وقد يتولَّدُ من الله الحياءُ من مطالعة نِعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سُلِبَ العبدُ الحياءَ المكتسب والغريزي لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، والأخلاق الدنيئة، فصار كأنَّه لا إيمانَ له. وقد روي من مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحياء حياءانِ: طَرَفٌ من الإيمان، والآخر عجز» ولعله من كلام الحسن، وكذلك قال بُشَير بن كعب العدوي لِعمران بن حصين: إنا نجد في بعض الكتب أنَّ منه سكينةً ووقاراً لله، ومنه ضعف، فغضب عِمران وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه؟ (٢)

والأمر كما قاله عِمران - رضي الله عنه -، فإنَّ الحياءَ الممدوح في كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما يُريد به الخُلُقَ الذي يَحُثُّ على فعل الجميل، وتركِ القبيح،

فأمَّا الضعف والعجزُ الذي يوجب التقصيرَ في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده، فليس هو من الحياء، إنَّما هو ضعفٌ وخَوَرٌ، وعجزٌ ومهانة، والله أعلم.

والقول الثاني في معنى قوله: «إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت» (٣): أنّه أمر بفعل ما يشاء على ظاهرِ لفظه، وأنَّ المعنى: إذا كان الذي تريدُ فعله مما لا يُستحيى من فعله، لا من الله ولا من الناس، لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنعْ منه حينئذٍ ما شئتَ، وهذا قولُ جماعةٍ من الأئمة، منهم: أبو إسحاق المروزي الشافعي، وحُكي مثله عن الإمام أحمد، ووقع كذلك في بعض نسخ " مسائل أبي داود " المختصرة عنه، ولكن الذي في النسخ المعتمدة التامة كما حكيناه عنه من قبلُ، وكذلك رواه عنه الخلال في كتاب

" الأدب "، ومن هذا قولُ


(١) تقدم تخريجه عند الحديث الثاني عشر.
(٢) تقدم تخريجه عند حديث عمران.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>