للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

روايةٍ لمسلم قال: «الحياء خيرٌ كلُّه»، أو قال: «الحياءُ كلُّه خير».

وخرَّج الإمام أحمد (١) والنسائي (٢) من حديث الأشج العصري قال: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ فيك لخُلُقَيْن يُحبُّهما الله» قلت: ما هما؟ قال: «الحِلْمُ والحياء» قلت: أقديماً كان أو حديثاً؟ قال: «بل قديماً»، قلت: الحمد لله الذي جعلني على خُلُقين يحبهما الله.

وقال إسماعيل بن أبي خالد: دخل عيينة بنُ حِصنٍ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعنده رجلٌ فاستسقى، فأُتِيَ بماءٍ فشرب، فستره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما هذا؟ قال: «الحياء خلَّةٌ أوتوها ومُنِعْتُموها» (٣).

واعلم أنَّ الحياء نوعان:

أحدهما: ما كان خَلْقاً وجِبِلَّةً غيرَ مكتسب، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء لا يأتي إلاَّ بخير»، فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ودناءةِ الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال: من استحيى اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي.

وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله الحكمي - وكان فارس أهل الشام -: تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع (٤). وعن بعضهم قال: رأيتُ المعاصي نذالةً، فتركتها مُروءةً، فاستحالت دِيانة (٥).

والثاني: ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ

الإيمان، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان، وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل:

«استحي مِنَ اللهِ كما تستحي رجلاً مِنْ صالحِ عشيرتِكَ» (٦).


(١) في " مسنده " ٤/ ٢٠٥، وهو حديث صحيح.
(٢) في " الكبرى " (٧٧٤٦) و (٨٣٠٦).
(٣) أخرجه: ابن أبي شيبة (٢٥٣٤٧).
(٤) انظر: سير أعلام النبلاء ٥/ ١٩٠.
(٥) هذه العبارة من كلام ابن سمعون. انظر: تاريخ بغداد ١/ ٢٧٥، وصفة الصفوة ٢/ ٤٧٢.
(٦) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>