للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمرادُ بالتحليل والتحريم: فعلُ الحلال واجتنابُ الحرام كما ذُكر في هذا الحديث. وقد قال الله تعالى في حقِّ الكفار الذين كانوا يُغيرون تحريمَ الشُّهور الحُرُم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ} (١)، والمراد: أنَّهم كانوا يُقاتلون في الشهر الحرام عاماً، فيُحلونه بذلك، ويمتنعون من القتال فيه عاماً، فيحرِّمونَهُ بذلك (٢).

وقال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً} (٣) وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً في الدنيا وتقشفاً، وبعضهم حرَّم ذلك عن نفسه، إمَّا بيمينٍ حَلَفَ بها، أو بتحريمه على نفسه، وذلك كُلُّه لا يوجبُ تحريمه في نفس الأمر، وبعضُهم امتنع منه من غير يمينٍ ولا تحريمٍ،

فسمَّى الجميع تحريماً (٤)، حيث قصد الامتناعَ منه إضراراً بالنفس، وكفاً لها عن شهواتها. ويقال في الأمثال: فلانٌ لا يحلِّلُ ولا يحرِّمُ، إذا كان لا يمتنع من فعل حرام، ولا يقفُ عندَ ما أُبيح له، وإنْ كان يعتقدُ تحريمَ الحرام، فيجعلون من فَعَلَ الحرامَ ولا يتحاشى منه مُحلِّلاً له، وإنْ كان لا يعتقد حلّه.

وبكلِّ حالٍ، فهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ من قام بالواجبات، وانتهى عن

المحرَّمات، دخلَ الجنة، وقد تواترتِ الأحاديثُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى، أو ما هو قريبٌ منه، كما خرَّجهُ النَّسائي، وابنُ حبان، والحاكم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس، ويصومُ رمضان، ويُخرجُ الزَّكاة، ويجتنبُ الكبائر السَّبعَ، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة، يدخُلُ من أيِّها شاء»، ثم تلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (٥) (٦).


(١) التوبة: ٣٧.
(٢) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (١٢٩٨١) عن ابن عباس، به.
(٣) المائدة: ٨٧ - ٨٨.
(٤) انظر في ذلك: تفسير الطبري (٩٦٣٥) و (٩٦٣٦)، وتفسير ابن أبي حاتم (٦٦٨٧)
و (٦٦٨٩).
(٥) النساء: ٣١.
(٦) أخرجه: النسائي في " المجتبى " ٥/ ٨، وابن حبان (١٧٤٨)، والحاكم ١/ ٣١٦ و ٢٦٢.
وأخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " ٤/ ٢٦٦، والطبري في " تفسيره " (٧٢٨٧)، وابن خزيمة (٣١٥)، وابن منده في " الإيمان " (٤٧٧)، والبيهقي ١٠/ ١٨٧، وإسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى العتواري فقد تفرد بالرواية عنه نعيم المجمر.

<<  <   >  >>