للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخرَّج أبو داود، وابنُ ماجه من حديث أبي سنان سعيد بن سنان، عن وهب بن خالد الحمصي، عن ابن الدَّيلَمي أنَّه سمع أبيَّ بن كعبٍ يقول: لو أنَّ الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رَحِمَهُم، لكانت رحمتُه خيراً لهم من أعمالهم، وأنَّه أتى ابن مسعود، فقال له مثلَ ذلك، ثم أتى زيدَ ابن ثابت، فحدَّثه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك (١). وفي هذا الحديث نظر، ووهبُ بنُ خالدٍ ليس بذلك المشهور بالعلم (٢).

وقد يُحمل على أنَّه لو أراد تعذيبهم، لقدَّرَ لهم ما يعذِّبهم عليه، فيكون غيرَ ظالم لهم حينئذٍ.

وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلمُ لا يقتضي وصفَه بالظُّلم - سبحانه وتعالى -، كما أنَّه لا يُوصَفُ بسائر القبائح التي يفعلُها العبادُ، وهي خَلْقُه وتقديرُه (٣)، فإنَّه لا يُوصَفُ إلاَّ بأفعاله لا يُوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاتُه ومفعولاتُه، وهو لا يُوصَفُ بشيءٍ منها، إنَّما يوصَفُ بما قام به من صفاته وأفعاله! والله أعلم.

وقوله: «وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظالموا» يعني: أنَّه تعالى حَرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أنْ يتظالموا فيما بينهم، فحرامٌ على كلِّ عبدٍ أنْ يظلِمَ غيره، مع أنَّ الظُّلم في نفسه محرَّم مطلقاً، وهو نوعان:


(١) أخرجه: أبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧).
وأخرجه: أحمد ٥/ ١٨٢ و ١٨٥ و ١٨٩، وعبد بن حميد (٢٤٧)، وابن أبي عاصم في
" السنة " (٢٤٥)، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (٨٤٤)، وابن حبان (٧٢٧)، والآجري في "الشريعة": ١٨٧، والطبراني في " الكبير " (٤٩٤٠) وفي " مسند الشاميين "، له (١٩٦٢)، واللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " (١٠٩٢) و (١٠٩٣)، والبيهقي ١٠/ ٢٠٤.
(٢) لم أجد ما ذكره ابن رجب - رحمه الله - في وهب بن خالد عن أحد من المتقدمين ولا عن غيرهم، فقد وثقه أبو داود، وابن حبان، والعجلي، والذهبي، وابن حجر.
انظر: تهذيب الكمال ٧/ ٤٩٥ (٧٣٥٠)، وتهذيب التهذيب ١١/ ١٤٣ (٧٧٩٥)، والتقريب (٧٤٧٤)، وقال العلامة مغلطاي في " إكمال تهذيب الكمال " ١٢/ ٢٦٠
: «خرج أبو عبد الله الحاكم وأبو علي الطوسي حديثه في صحيحهما»، ولعل ابن رجب - رحمه الله - أراد أن يعل هذا الحديث بتفرد وهب بن خالد؛ إذ إنَّ الحديث ورد موقوفاً من حديث أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة، وبيان ذلك في كتابي " الجامع في العلل " يسر الله إتمامه وطبعه.
(٣) «وتقديره» لم ترد في (ص).

<<  <   >  >>