للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

منها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ مِنْ قبل أنْ يُؤخَذ لأخيه من حسناته، فإنْ لم يكن له حسناتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئات أخيه فطُرِحت عليه».

قوله: «يا عبادي، كلُّكُم ضالٌّ إلاَّ من هديتُه، فاستهدوني أهدِكم، يا عبادِي، كُلُّكم جائعٌ إلاَّ من أطعمتُه، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلُّكم عارٍ إلاَّ من كَسوتُهُ، فاستكسوني أكسكُم، يا عبادي إنَّكم تُخطئون باللَّيل … والنَّهار، وأنا أغفرُ الذُّنوب جَميعاً، فاستغفروني أغفر لكم».

هذا يقتضي أنَّ جميعَ الخلق مُفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم، ودفع مضارِّهم في أمور دينهم ودُنياهم، وإنَّ العباد لا يملِكُون لأنفسهم شيئاً مِنْ ذلك كلِّه،

وإنَّ مَنْ لم يتفضَّل اللهُ عليه بالهدى والرزق، فإنَّه يُحرمهما في الدنيا، ومن لم يتفضَّل اللهُ عليه بمغفرة ذنوبه، أوْبَقَتْهُ خطاياه في الآخرة.

قال الله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} (١)، ومثل هذا كثيرٌ في القرآن، وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} (٢)، وقال: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (٣)، وقال: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ … وَاعْبُدُوهُ} (٤)، وقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} (٥).

وقال تعالى حاكياً عن آدم وزوجه أنَّهما قالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٦)، وعن نوح عليه الصلاة والسَّلام أنَّه قال: {وإلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٧).

وقد استدلَّ إبراهيمُ الخليلُ - عليه السلام - بتفرُّد الله بهذه الأمور على أنَّه لا إله غيره، وإنَّ كلَّ ما أشرك معه، فباطل، فقال لقومه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (٨)، فإنَّ من تفرَّد بخلق العبد وبهدايته وبرزقه وإحيائه وإماتته في الدنيا، وبمغفرة ذنوبه في الآخرة، مستحقٌّ أنْ يُفرَدَ بالإلهية


(١) الكهف: ١٧.
(٢) فاطر: ٢.
(٣) الذاريات: ٥٨.
(٤) العنكبوت: ١٧.
(٥) هود: ٦.
(٦) الأعراف: ٢٣.
(٧) هود: ٤٧.
(٨) الشعراء: ٧٥ - ٨٢.

<<  <   >  >>