للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (١).

والمعنى: أنَّه تعالى يُحبُّ من عباده أنْ يتَّقوهُ ويُطيعوه، كما أنَّه يكره منهم أنْ يَعْصُوه، ولهذا يفرح بتوبة التائبين أشدَّ من فرح من ضَلَّتْ راحلته التي عليها طعامُه وشرابُه بفلاةٍ مِنَ الأرض، وطلبها حتى أعيى وأيِسَ منها، واستسلم للموت، وأيس من الحياة، ثم غلبته عينُه فنام، فاستيقظ وهي قائمةٌ عنده، وهذا أعلى ما يتصوره المخلوقُ من الفرح، هذا كلُّه مع غناه عن طاعات عباده وتوباتهم إليه، وإنَّه إنَّما يعودُ نفعُهَا إليهم دونه، ولكن هذا من كمال جوده وإحسّانه إلى عباده، ومحبته لنفعهم، ودفع الضَّرر عنهم، فهو يُحِبُّ من عباده أنْ يعرفوه ويحبُّوه ويخافوه ويتَّقوه ويطيعوه ويتقرَّبوا إليه، ويُحِبُّ أنْ يعلموا أنَّه لا يغفر الذنوب غيره، وأنَّه قادرٌ على مغفرة ذنوب عباده، كما في رواية عبد الرحمان بن غَنْم، عن أبي ذرٍّ لهذا الحديث: «من علم منكم أنِّي ذو قُدرةٍ على المغفرة، ثم استغفرني، غفرت له ولا أبالي».

وفي " الصحيح " (٢) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ عبداً أذنب ذنباً، فقال: يا ربّ، إنِّي عملتُ

ذنباً، فاغفر لي، فقالَ الله: علم عبدي أنَّ لهُ رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرتُ لعبدي». وفي حديث عليِّ بن أبي طالب، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه لمَّا ركب دابَّته، حَمِدَ اللهَ ثلاثاً، وكبَّر ثلاثاً، وقال: «سبحانك إني ظلمتُ نفسي، فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلاَّ أنت، ثمَّ ضحك، وقال: إنَّ ربَّك ليعجَبُ مِنْ عبده إذا قال: ربِّ اغفر لي ذنوبي، يعلم أنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ غيري»، خرَّجه الإمامُ أحمد والترمذي وصححه (٣).

وفي الصحيح (٤) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «والله للهُ أرحمُ بعباده من الوالدةِ بولدِها».

كان بعضُ أصحاب ذي النون يطوفُ وينادي: آه أين قلبي، من وجد قلبي؟ فدخل يوماً بعضَ السكك، فوجد صبياً يبكي وأمه تضرِبهُ، ثُمَّ أخرجته من الدار،


(١) الحج: ٣٧.
(٢) أخرجه: البخاري ٩/ ١٧٨ (٧٥٠٧)، ومسلم ٨/ ٩٩ (٢٧٥٨) (٢٩) و (٣٠). …
(٣) أخرجه: أحمد ١/ ٩٧ و ١١٥ و ١٢٨، والترمذي (٣٤٤٦).
(٤) أخرجه: البخاري ٨/ ٩ (٥٩٩٩)، ومسلم ٨/ ٩٧ (٢٧٥٤) (٢٢) من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، به.

<<  <   >  >>