للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: «كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجِّسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحِسُّونَ فيها من جدعاء؟» قال أبو هريرة: اقرؤوا إنْ شئتم: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} (١).

ولهذا سمَّى الله ما أمرَ به معروفاً، وما نهى عنه منكراً، فقال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (٢)، وقال في صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (٣)، وأخبر أنَّ قلوب المؤمنين تطمئنُّ بذكره، فالقلبُ الذي دخله نورُ الإيمان، وانشرح به وانفسح، يسكن للحقِّ، ويطمئن به ويقبله، وينفر عن الباطل ويكرهه ولا يقبله (٤).

قال معاذ بن جبل: أحذركم زيغةَ الحكيم، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، فقيل لمعاذ: ما يُدريني أنَّ الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة، وأنَّ المنافق يقول كلمةَ الحقِّ؟ قال: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنَّه لعلَّه أنْ يُراجع، وتَلَقَّ الحقَّ إذا سمعته، فإنَّه على الحقِّ نوراً، خرَّجه أبو داود (٥). وفي روايةٍ له قال: بل ما تشابه عليك من قول الحكيمِ حتَّى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟ (٦)

فهذا يدل على أنَّ الحقَّ والباطل لا يلتبِسُ أمرُهما على المؤمن البصير،

بل يعرف

الحقَّ بالنُّور الذي عليه، فيقبله قلبُه، ويَنفِرُ عن الباطل، فينكره ولا يعرفه، ومِنْ هذا


(١) الروم: ٣٠. =
= … والحديث أخرجه: معمر في " جامعه " (٢٠٠٨٧)، وأحمد ٢/ ٢٣٣ و ٢٧٥ و ٣١٥، والبخاري ١/ ١١٨ (١٣٥٨) و (١٣٥٩) و ٨/ ١٥٣ (٦٥٩٩)، ومسلم ٨/ ٥٢
(٢٦٥٨) (٢٢) و ٨/ ٥٣ (٢٦٥٨) (٢٤)، وابن حبان (١٣٠)، والبيهقي ٦/ ٢٠٣، والخطيب في " تأريخه " ٣/ ٣٠٨، والبغوي (٨٤) من حديث أبي هريرة، به. …
(٢) النحل: ٩٠.
(٣) الأعراف: ١٥٧.
(٤) انظر: تفسير البغوي ٣/ ٢٠، وتفسير ابن كثير: ١٠١٢ (ط. دار ابن حزم).
(٥) في " السنن " (٤٦١١). وأخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣ عن معاذ بن جبل، به.
(٦) أخرجه: أبو داود (٤٦١١) عن معاذ بن جبل، به.

<<  <   >  >>