للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن الإيمان، فتلا هذه الآية (١).

فالبرُّ بهذا المعنى يدخل فيه جميعُ الطاعات الباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والطاعات الظاهرة كإنفاق الأموال فيما يحبُّه الله، وإقام الصَّلاة،

وإيتاء الزّكاة، والوفاء بالعهد، والصَّبرِ على الأقدار، كالمرض والفقر، وعلى الطَّاعات، كالصَّبر عِند لقاءِ العدوِّ.

وقد يكون جوابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث النوَّاس (٢) شاملاً لهذه الخصال كلِّها؛ لأنَّ حُسنَ الخُلق قد يُراد به التخلُّقُ بأخلاق الشريعة، والتأدُّبُ بآداب الله التي أدَّبَ بها عبادَه في كتابه، كما قال تعالى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٣)، وقالت عائشة: كان خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - القرآن (٤)، يعني: أنَّه يتأدَّب بآدابه، فيفعل أوامرَه ويجتنب نواهيه، فصار العملُ بالقرآن له خُلقا كالجبلَّة والطَّبيعة لا يُفارِقُه، وهذا أحسنُ الأخلاق وأشرفُها وأجملُها (٥).

وقد قيل: إنَّ الدِّين كلَّه خُلُقٌ. وأما في حديث وابصة، فقال: «البرُّ ما اطمأنَّ إليه القلبُ، واطمأنت إليه النفس» (٦)، وفي رواية: «ما انشرح إليه

الصَّدرُ» (٧)، وفسر الحلالَ بنحوِ ذلك كما في حديث أبي ثعلبة وغيره، وهذا يدلُّ على أنَّ الله فطرَ عبادَه على معرفة الحق، والسكون إليه وقبوله، وركَّز في الطباع محبةَ ذلك، والنفور عن ضدِّه.

وقد يدخل هذا في قوله في حديث عياض بن حِمار: «إني خلقتُ عبادي حنفاءَ مسلمين، فأتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، فحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتهُم أنْ يُشرِكوا بي ما لم أنزِّل به سلطاناً» (٨).


(١) أخرجه: ابن أبي حاتم في " تفسيره " ١/ ٢٨٧ (١٥٣٩).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) القلم: ٤.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي ٣/ ٢٠٠.
(٦) سبق تخريجه.
(٧) سبق تخريجه.
(٨) أخرجه: مسلم ٨/ ١٥٨ (٢٨٦٥) (٦٣) عن عياض بن حِمَار المجاشعي، به.

<<  <   >  >>