للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوحيُّ، أو وعظَ، قلت: نذير قوم أتاهُم العذابُ، فإذا ذهبَ عنه ذلك، رأيت أطلقَ الناس وجهاً، وأكثَرهم ضَحِكاً، وأحسنهم بِشراً - صلى الله عليه وسلم -.

وقولهم: «يا رسول الله كأنَّها موعظةُ مودِّع، فأوصنا» يدلُّ على أنَّه كان - صلى الله عليه وسلم - قد أبلغَ في تلك الموعظة ما لم يبلغ في غيرها، فلذلك فَهِموا أنَّها موعظةُ مودِّعٍ، فإنَّ المودِّع يستقصي ما لا يستقصي غيرُه في القول والفعل، ولذلك أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُصلي صلاة مودِّعٍ (١)؛

لأنَّه مَنِ استشعر أنَّه مودِّع بصلاته، أتقنها على أكمل وجوهها. ولرُبما كان قد وقع منه - صلى الله عليه وسلم - تعريضٌ في تلك الخطبة بالتَّوديع، كما عرَّض بذلك في خطبته في حجة الوداع، وقال: «لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» (٢)، وطفق يودِّعُ الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع،

ولمّا رجع من حجِّه إلى المدينة، جمع الناس بماءٍ بين مكة والمدينة يُسمى خُمَّاً (٣)، وخطبهم، فقال: «يا أيُّها النّاس، إنّما أنَا بَشرٌ يوشِكُ أنْ يأتيني رسولُ ربِّي فأجيب» ثم حضَّ على التمسُّك بكتابِ الله، ووصَّى بأهل بيته، خرَّجه مسلم (٤).

وفي " الصحيحين " (٥) ولفظه لمسلم عن عقبةَ بنِ عامرٍ، قال: صلى

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحدٍ، ثم صَعِدَ المنبر كالمودِّع للأحياء والأموات، فقال


(١) أخرجه: أحمد ٥/ ٤١٢، وابن ماجه (٤١٧١)، والطبراني في " الكبير " (٣٩٨٧)
و (٣٩٨٨) من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ فقال: عِظني وأوجز، فقال: «ثم إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غداً واجمع الإياس مما في يدي الناس» بلفظ أحمد.

وورد أيضاً عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأنس بن مالك.
(٢) أخرجه: أحمد ٣/ ٣١٨، ومسلم ٤/ ٧٩ (١٢٩٧) (٣١٠)، وأبو داود (١٩٧٠)، والترمذي (٨٨٦)، والنسائي ٥/ ٢٧٠، وابن خزيمة (٢٨٧٧)، وأبو نعيم في " المسند المستخرج " (٢٩٩٥) و (٢٩٩٧)، والبيهقي ٥/ ١٢٥ و ١٣٠ من حديث جابر بن
عبد الله، به. والروايات متباينة اللفظ متفقة المعنى.
(٣) في (ص): «جمع الناس بين مكة والمدينة في وادٍ يقال له: غدير خم».
(٤) في " صحيحه " ٧/ ١٢٢ (٢٤٠٨) (٣٦).
(٥) صحيح البخاري ٢/ ١١٤ (١٣٤٤) و ٤/ ٢٤٠ (٣٥٩٦) و ٥/ ١٣٢ (٤٠٨٥) و ٨/ ١١٢
(٦٤٢٦) و ٨/ ١٥١ (٦٥٩٠)، وصحيح مسلم ٧/ ٦٧ (٢٢٩٦) (٣٠) و (٣١).

<<  <   >  >>