للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

: «إنِّي فَرَطُكُم على الحوض، فإنَّ عَرْضَهُ، كما بين أيلةَ إلى الجُحفةِ، وإنِّي لست أخشى عليكم أنْ تُشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكُم الدُّنيا أنْ تنافسوا فيها، وتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك مَنْ كان قبلكم». قال عقبة: فكانت آخرَ ما رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر.

وخرَّجه الإمام أحمد (١) ولفظه: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أُحُدٍ بعد ثمانِ سنين كالمودِّع للأحياء والأموات، ثم طلَعَ المنبرَ، فقال: «إنِّي فرطُكم، وأنا عليكم شهيد، وإنَّ موعدَكم الحوضُ، وإنِّي لأنظرُ إليه، ولستُ أخشى عليكم الكُفر، ولكن الدُّنيا أنْ تنافسوها».

وخرَّج الإمام أحمد (٢) أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً كالمودِّع، فقال: «أنا محمد النَّبيُّ الأُميُّ - قال ذلك ثلاث مرَّات - ولا نبيَّ بعدي، أُوتيتُ فواتِحَ

الكَلِم وخواتمَه وجوامعه، وعلمت كم خزنةُ النَّار، وحملةُ العرش، وتَجَوَّزَ لي ربِّي وعُوفيتُ وعُفِيَتْ أُمَّتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمتُ فيكم، فإذا ذُهِبَ بي، فعليكم بكتاب الله، أحلوا حلاله، وحرِّموا حرامه».

فلعلَّ الخطبة التي أشار إليها العرباضُ بنُ سارية في حديثه كانت بعضَ هذه

الخطب، أو شبيهاً بها ممَّا يُشعر بالتوديع.

وقولهم: «فأوصنا»، يعنون وصيةً جامعةً كافية، فإنَّهم لمَّا فهموا (٣) أنَّه

مودِّعٌ، استوصوهُ وصيَّةً ينفعهم التمسُّك بها بعدَه، ويكون فيها كفايةٌ لمن تمسَّك بها، وسعادةٌ له في الدنيا والآخرة.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أوصيكم بتقوى الله، والسَّمع والطَّاعة»، فهاتان الكلمتان تجمعان سعادةَ الدُّنيا والآخرة.

أمَّا التَّقوى، فهي كافلةٌ بسعادة الآخرة لمن تمسَّك بها، وهي وصيةُ الله للأوَّلين والآخرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا


(١) في " مسنده " ٤/ ١٥٤.

وأخرجه: البخاري ٥/ ١٢٠ (٤٠٤٢) بهذا اللفظ من حديث عقبة بن عامر.
(٢) في " مسنده " ٢/ ١٧٢ و ٢١٢، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، ولجهالة عبد الرحمان بن مُريح.
(٣) في (ص): «علموا».

<<  <   >  >>