للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يرضاها الله ورسولُه، كان عليه مثلُ آثام مَنْ عمل بها، لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ أوزارهم شيئاً».

وخرَّج الإمام أحمد (١) من رواية غضيف بن الحارث الثُّمالي قال: بعث إليَّ عبدُ الملك بنُ مروان، فقال: إنا قد جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يومَ الجمعة، والقصص بعد الصُّبح والعصر، فقال: أما إنَّهما أمثلُ بدعتكم عندي، ولست بمجيبكم إلى شيءٍ منها؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «ما أحْدَثَ

قومٌ بدعةً إلا رُفعَ مثلُها منَ السُّنَّة» فتمسُّكٌ بسنَّةٍ خيرٌ من إحداث بدعةٍ. وقد رُوي عن ابن عمر من قوله نحو هذا.

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيءٌ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدِّين، وهو شبيهٌ بقوله: «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ» (٢)، فكلُّ من أحدث شيئاً، ونسبه إلى الدِّين، ولم يكن له أصلٌ من الدِّين يرجع إليه، فهو ضلالةٌ، والدِّينُ بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.

وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية، لا الشرعية، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة (٣).

وروي أنَّ أبيَّ بن كعب، قال له: إنَّ هذا لم يكن، فقال عمرُ: قد علمتُ، ولكنَّه حسنٌ. ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان، ويُرَغِّبُ فيه، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه في رمضانَ

غيرَ ليلةٍ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب


(١) في " مسنده " ٤/ ١٠٥، وإسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي بن عبد الله.
(٢) تقدم عند الحديث الخامس.
(٣) أخرجه: مالك في " الموطأ " (٣٠١) برواية يحيى الليثي، والبخاري ٣/ ٥٨ (٢٠١٠)، والبيهقي ٢/ ٤٩٣.

<<  <   >  >>