للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا ما لم يجمع عمرُ النَّاسَ عليه، بل كان له فيه رأيٌ، وهو يسوِّغ لغيره أنْ يرى رأياً يُخالف رأيه، كمسائل الجَدِّ مع الإخوة، ومسألة طلاق البتة، فلا يكونُ قولُ عمر فيه حجَّةً على غيره مِنَ الصَّحابة، والله أعلم.

وإنَّما وصف الخلفاء بالراشدين؛ لأنَّهم عرفوا الحقَّ وقَضَوا به،

فالراشدُ ضدُّ الغاوي، والغاوي مَنْ عَرَفَ الحقَّ، وعمل بخلافه.

وفي رواية «المهديين»، يعني: أنَّ الله يهديهم للحقِّ، ولا يُضِلُّهم عنه، فالأقسام ثلاثة: راشدٌ وغاوٍ وضالٌّ، فالراشد عرف الحقَّ واتَّبعه، والغاوي: عرفه ولم يتَّبعه، والضالُّ: لم يعرفه بالكليَّة، فكلُّ راشدٍ، فهو مهتد، وكل مهتدٍ هدايةً تامَّةً، فهو راشد؛ لأنَّ الهدايةَ إنَّما تتمُّ بمعرفة الحقِّ والعمل به أيضاً.

وقوله: «عَضُّوا عليها بالنواجذ» كناية عن شدَّةِ التَّمسُّك بها، والنواجذ: الأضراس.

قوله: «وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة» تحذيرٌ للأمة مِنَ اتِّباعِ الأمورِ المحدَثَةِ المبتدعَةِ، وأكَّد ذلك بقوله: «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ»، والمراد بالبدعة: ما أُحْدِثَ ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأمَّا ما كان له أصلٌ مِنَ الشَّرع يدلُّ عليه، فليس ببدعةٍ شرعاً، وإنْ كان بدعةً لغةً، وفي " صحيح

مسلم " (١) عن جابر: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبته: «إنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكلُّ بدعة ضلالة».

وخرَّج الترمذي (٢) وابن ماجه (٣) من حديث كثير بن عبد الله المزني - وفيه ضعف (٤) - عن أبيه، عن جده، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من ابتدع بدعة ضلالة


(١) الصحيح ٣/ ١١ (٨٦٧) (٤٣) و (٤٤) و (٤٥).
(٢) في " الجامع الكبير " (٢٦٧٧).
(٣) في " سننه " (٢٠٩) و (٢١٠).
(٤) قال ابن حبان في " المجروحين " ٢/ ٢٢١: «كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني … يروي عن أبيه، عن جده بنسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب، وكان الشافعي رحمه الله يقول: كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب».

<<  <   >  >>