للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فيها، فقالَ الحسن: تطلُقُ المنهيَّةُ؛ لأنَّها هي التي نواها (١).

وقال إبراهيمُ: تطلقان (٢)، وقال عطاءٌ: لا تطلُق واحدةٌ منهما، ومذهبُ أحمد: أنَّه تطلُقُ المنهيَّةُ روايةً (٣) واحدةً؛ لأنَّه نوى طلاقَها. وهل تطلق المواجهة على روايتين عنه، واختلف الأصحاب على القولِ بأنّها (٤) تطلُق: هل تطلق في الحُكم فقط، أم في الباطن أيضاً؟ على طريقتين لهم.

وقد استدلَّ بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الأعمال بالنيَّاتِ، وإنَّما لامرئٍ ما نوى» على أنَّ العُقودَ التي يُقصَدُ بها في الباطنِ التَّوصُّلُ إلى ما هو محرَّمٌ غيرُ صحيحةٍ، كعقودِ البُيوعِ التي يُقصدُ بها معنى الرِّبا ونحوها، كما هو مذهبُ مالكٍ وأحمدَ وغيرهما، فإنَّ هذا العقدَ إنَّما نوي به الرِّبا، لا البيعَ (٥)، «وإنَّما لامرئٍ ما نوى».

ومسائلُ النِّيَّةِ المتعلِّقَةُ بالفقه كثيرةٌ جداً، وفيما ذكرناه كفايةٌ.

وقد تقدَّم عنِ الشَّافعيِّ أنَّه قال في هذا الحديث: إنَّه يدخلُ في سبعينَ باباً من الفقهِ، والله أعلمُ (٦).

والنِّيَّةُ: هي قصدُ القلبِ (٧)، ولا يجبُ التَّلفُّظ بما في القَلب في شيءٍ مِنَ العِباداتِ، وخرَّج بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ له قولاً باشتراطِ التَّلفُّظ بالنِّيَّة للصَّلاة، وغلَّطه المحقِّقونَ منهم، واختلفَ المتأخِّرون من الفُقهاء في التَّلفُّظ بالنِّيَّة في الصَّلاة وغيرها، فمنهم مَنِ استحبَّه، ومنهم مَنْ كرهه (٨).


(١) أخرجه: عبد الرزاق (١١٣٠٣)، وسعيد بن منصور في " سننه " (١١٧٦).
(٢) أخرجه: عبد الرزاق (١١٣٠٣)، وسعيد بن منصور في " سننه " (١١٧٧).
(٣) سقطت من (ص)
(٤) زاد بعدها في (ص): «لا».
(٥) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخِلاف ٢/ ٥٢٧.
(٦) انظر: شرح النووي لصحيح مسلم ٦/ ٥٣٤، والمجموع ١/ ١٦٩، وفتح الباري ١/ ١٤.
(٧) انظر: كتاب العين: ٩٩٦، والصحاح ٦/ ٢٥١٦، ولسان العرب ١٤/ ٣٤٣.
(٨) قال أبو الحسن الماوردي الشافعي: «محل النية وهو القلب، ولذلك سميت به لانَّها تفعل بأنأى عضو في الجسد، وهو القلب، وإذا كان ذلك كذلك فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أنْ ينوي بقلبه، ويلفظ بلسانه فهذا يجزئه، وهو أكمل أحواله.
والحال الثانية: أنْ يلفظ بلسانه ولا ينوي بقلبه فهذا لا يجزئه.
والحال الثالثة: أنْ ينوي بقلبه ولا يتلفظ بلسانه فمذهب الشافعي يجزئه، وقال أبو عبد الله الزبيدي - من أصحابنا - لا يجزئه حتى يتلفظ بلسانه تعلقاً بأنَّ الشافعيَّ قال في كتاب " المناسك " ولا يلزمه إذا أحرم بقلبه أنْ يذكره بلسانه وليس كالصلاة التي لا تصح إلاّ بالنطق فتأول ذلك على وجوب النطق في النية، وهذا فاسد، وإنَّما إراد وجوب النطق بالتكبير ثم مما يوضح فساد هذا القول حجاجاً: أنَّ النية من أعمال القلب فلم تفتقر إلى غيره من الجوارح كما أنَّ القراءة لما كانت من أعمال اللسان لم تفتقر إلى غيره من الجوارح». الحاوي الكبير ٢/ ٩١ - ٩٢.

<<  <   >  >>