للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكرنا فيما تقدم عن العلماء الورعين كأحمد ومالك توقِّي إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمُه ممَّا فيه نوعُ شبهةٍ أو اختلاف.

وقال النَّخعي: كانوا يكرهون أشياء لا يُحرمونها، وقال ابنُ عون: قال لي مكحول: ما تقولون في الفاكهة تُلقى بين القَوم فينتهبونها؟ قلتُ: إنَّ ذَلِكَ عندنا

لمكروهٌ، قال: حرام هي؟ قلت: إنَّ ذلك عندنا لمكروه، قال: حرام هي (١)؟ قال ابن عون: فاستجفينا ذلك مِنْ قول مكحول.

وقال جعفر بن محمد: سمعت رجلاً يسأل القاسم بن محمد: الغناءُ أحرامٌ هو؟ فسكت عنه القاسمُ، ثم عاد، فسكت عنه، ثم عاد، فقال له: إنَّ الحرام ما حُرِّم في القرآن؟ أرأيت إذا أتي بالحقِّ والباطل إلى الله، في أيهما يكونُ الغناء؟ فقال الرجل: في الباطل، فقال: فأنت، فأفتِ نفسكَ.

قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: أما ما نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فمنها أشياء حرامٌ، مثل قوله: «نهى أنْ تُنكحَ المرأةُ على عمَّتها، أو على خالتها» (٢)، فهذا حرام، ونهى عن جلودِ السِّباع (٣)، فهذا حرامٌ، وذكر أشياء من نحو هذا.

ومنها أشياء نهى عنها، فهي أدبٌ.

وأما حدودُ الله التي نهى عن اعتدائها، فالمرادُ بها جملة ما أَذِنَ في فعله، سواء كان على طريقِ الوجوبِ، أو الندب، أو الإباحة، واعتداؤها: هو تجاوزُ ذلك إلى ارتكاب ما نهى عنه، كما قال تعالى: {وتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (٤) والمراد: من طلَّقَ على غير ما أمرَ الله به وأذن فيه، وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٥)،


(١) من قوله: «قلت: إنَّ ذلك … » إلى هنا سقط من (ص).
(٢) أخرجه: عبد الرزاق (١٠٧٥٣)، وأحمد ٢/ ٤٢٣ و ٤٧٤ و ٤٨٩ و ٥٠٨ و ٥١٦، ومسلم ٤/ ١٣٥ (١٤٠٨) (٣٣)، وأبو داود (٢٠٦٥) و (٢٠٦٦) من حديث أبي هريرة، به.
وللحديث طرق أخرى.
(٣) أخرجه: أحمد ٥/ ٧٤ و ٧٥، والدارمي (١٩٨٣)، وأبو داود (٤١٣٢)، والترمذي
(١٧٧٠ م) و (١٧٧١)، والنسائي ٧/ ١٧٦ من حديث أسامة بن عُمير الهذلي، به.
(٤) الطلاق: ١.
(٥) البقرة: ٢٢٩.

<<  <   >  >>