للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلفت ألفاظُ حديث أبي ثعلبة، فروي باللفظ المتقدِّم، ورُوي بلفظ آخر، وهو: «إنَّ الله فَرضَ فرائضَ فلا تُضيِّعُوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وعفا عن أشياء من غير نسيانٍ فلا تبحثوا عنها» خرَّجه إسحاق بنُ راهويه. ورُوي بلفظ آخر وهو: «إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وسنَّ لكم سنناً فلا تنتهكوها، وحرَّم عليكم أشياء فلا تعتدوها، وترك بين ذلك أشياء من غير نسيان رحمة منه فاقبلوها ولا تبحثوا عنها» خرَّجه الطبراني (١).

وهذه الرواية تبيِّنُ أنَّ المعفوَّ عنه ما تُرِكَ ذكرُه، فلم يحرَّم ولم يُحلَّل.

ولكن مما ينبغي أنْ يعلم: أنَّ ذكرَ الشيءِ بالتَّحريم والتَّحليل مما قد يخفى فهمُه مِنْ نُصوص الكتاب والسُّنة، فإنَّ دلالة هذه النُّصوص قد تكونُ بطريق النَّصِّ والتَّصريح، وقد تكونُ بطريق العُموم والشُّمول، وقد تكون دِلالتُه بطريق الفحوى والتنبيه، كما في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (٢)، فإنَّ دخُولَ ما هو أعظمُ من التَّأفيف مِنْ أنواع الأذى يكونُ بطريق الأولى، ويُسمَّى ذلك مفهومَ الموافقةِ (٣).

وقد تكونُ دلالته بطريقِ مفهومِ المخالفة، كقوله: «في الغنم السَّائمة

الزكاة» (٤) فإنَّه يدلُّ بمفهومه على أنَّه لا زَكاةَ في غير السَّائمة، وقد أخذ الأكثرون بذلك، واعتبروا مفهوم المخالفة، وجعلوه حجَّةً (٥).

وقد تكونُ دلالته مِنْ باب القياس، فإذا نصَّ الشَّارع على حُكم في شيءٍ لمعنى من المعاني، وكان ذلك المعنى موجوداً في غيره، فإنَّه يتعدَّى الحكمُ إلى كلِّ ما وجد في ذلك المعنى عندَ جمهور العلماء، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزله الله، وأمر بالاعتبار به، فهذا كلُّه ممَّا يعرَفُ به دلالة النُّصوص على التَّحليل والتَّحريم.


(١) في " الكبير " ٢٢/ (٥٨٩) من حديث أبي ثعلبة الخشني، به.
والحديث سبق تخريجه.
(٢) الإسراء: ٢٣.
(٣) انظر: البرهان في أصول الفقه ١/ ٣٠٠.
(٤) أخرجه: البخاري ٢/ ١٤٦ (١٤٥٤)، وأبو داود (١٥٦٧)، وابن حبان (٣٢٦٦) عن أنس بن مالك، بنحوه.
(٥) انظر: البرهان في أصول الفقه ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩.

<<  <   >  >>