للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصلُ الزُّهد الرِّضا عَنِ الله - عز وجل -. وقال: القنوع هو الزهد، وهو الغنى.

فمن حقق اليقين، وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره له، وانقطع عن التعلُّق بالمخلوقين رجاءً وخوفاً، ومنعه ذلك مِنْ طلب الدُّنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك، كان زاهداً في الدُّنيا حقيقة، وكان من أغنى الناس، وإنْ لم يكن له شيء من الدُّنيا كما قال عمَّار: كفى بالموت واعظاً، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلاً (١).

وقال ابن مسعود: اليقينُ: أنْ لا ترضي النَّاسَ بسخطِ اللهِ، ولا تحمد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتِكَ الله، فإنَّ الرِّزقَ لا يسوقُه حرصُ حريصٍ، ولا يردُّه كراهة كارهٍ، فإنَّ الله تبارك وتعالى - بقسطه وعلمه وحكمه - جعل الرَّوحَ والفرحَ في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشكِّ والسخطِ (٢).

وفي حديث مرسل أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدُّعاء: «اللهمَّ إنِّي أسألك إيماناً يُباشر قلبي، ويقيناً (٣) صادقاً (٤) حتى أعلم أنَّه لا يمنعني رزقاً قسمته لي، ورضِّني من المعيشة بما قسمت لي» (٥).

وكان عطاء الخراساني لا يقومُ من مجلسه حتى يقولَ: اللهمَّ هب لنا يقيناً منك حتى تُهوِّن علينا مصائبَ الدُّنيا، وحتى نعلمَ أنَّه لا يُصيبنا إلا ما كتبتَ علينا، ولا يُصيبنا مِنْ هذا الرِّزقِ إلاَّ ما قسمتَ لنا (٦).

روينا من حديث ابن عباس مرفوعاً، قال: «من سرَّه أنْ يكون أغنى الناسِ، فليكن بما في يدِ الله أوثق منه بما في يده» (٧).


(١) أخرجه: البيهقي في " شُعب الإيمان " (١٠٥٥٦) عن عمار بن ياسر، مرفوعاً.
(٢) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " اليقين ": ١١٨، والبيهقي في " شُعب الإيمان " (٢٠٩).
(٣) في (ص): «ولساناً».
(٤) «صادقاً» سقطت من (ص).
(٥) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " اليقين ": ١١٢.
(٦) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " اليقين ": ١٠٨.
(٧) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٢١٨ - ٢١٩، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٣٦٧) و (٣٦٨) من حديث عبد الله بن عباس، به. وهو جزء من حديث طويل.

<<  <   >  >>