للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدُّنيا وهو يحبُّه، كما تحمُونَ

مريضَكم الطَّعام والشراب، تخافون عليه».

وفي " صحيح مسلم " (١) عن عبد الله بن عمرو، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «الدُّنيا سجنُ المؤمن، وجنَّة الكافر».

وأمَّا السَّابقُ بالخيرات بإذن الله، فهمُ الَّذينَ فهِمُوا المرادَ مِنَ الدُّنيا، وعَمِلُوا بمقتضى ذلك، فعلموا أنَّ الله إنَّما أسكنَ عبادَه في هذه الدَّارِ، ليبلوهم أيُّهم أحسنُ عملاً، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (٢)، وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (٣).

قال بعض السَّلف: أيهم أزهد في الدُّنيا، وأرغبُ في الآخرة، وجعل ما في الدُّنيا مِنَ البهجة والنُّضرة مِحنَةً، لينظر من يقف منهم معه، ويَركَن إليه، ومن ليس كذلك، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (٤) ثم بين انقطاعه ونفاده، فقال: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} (٥)، فلمَّا فهِموا أنَّ هذا هو المقصود مِنَ الدُّنيا، جعلوا همَّهم التزوُّدَ منها للآخرة التي هي دارُ القرار، واكتفوا مِنَ الدُّنيا بما يكتفي به المسافرُ في سفره، كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما لي وللدُّنيا، إنَّما مثلي ومثل الدُّنيا كراكبٍ قالَ في

ظلِّ شجرةٍ، ثم راح وتركها» (٦).

ووصَّى - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من الصحابة أنْ يكون بلاغُ أحدِهم مِنَ الدُّنيا كزادِ الراكب، منهم: سلمان (٧)،


(١) الصحيح ٨/ ٢١٠ (٢٩٥٦) (١).
وأخرجه: أحمد ٢/ ٣٢٣ و ٤٨٥، وابن ماجه (٤١١٣)، وابن حبان (٦٨٧) و (٦٨٨) من حديث أبي هريرة، به.
وهنا قد وهم ابن رجب فنسب الحديث في " صحيح مسلم " إلى: «عبد الله بن عمرو»، بينما هو من رواية أبي هريرة.
أما رواية عبد الله بن عمرو فقد أخرجها: أحمد ٢/ ١٩٧، والحاكم ٤/ ٣١٥، وأبو نعيم في " الحلية " ٨/ ١٧٧ و ١٨٥.
(٢) هود: ٧.
(٣) الملك: ٢.
(٤) الكهف: ٧.
(٥) الكهف: ٨.
(٦) أخرجه: أحمد ١/ ٣٩١ و ٤٤١، وابن ماجه (٤١٠٩)، والترمذي (٢٣٧٧)، والطبراني في " الأوسط " (٩٣٠٧)، والحاكم ٤/ ٣١٠، وأبو نعيم في " الحلية " ٢/ ١٠٢ و ٤/ ٢٣٤ من حديث عبد الله بن مسعود، به، وقال الترمذي: «حسن صحيح».
وللحديث طرق أخرى.
(٧) أخرجه: معمر في " جامعه " (٢٠٦٣٢)، ووكيع في " الزهد " (٦٧)، وأحمد ٥/ ٤٣٨، وابن حبان (٧٠٦)، والطبراني في " الكبير " (٦٠٦٩) و (٦١٦٠) و (٦١٨٢)، وأبو نعيم في " الحلية " ١/ ١٩٥ و ١٩٦ و ١٩٧، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٧٢٨) من حديث سلمان، وهو حديث صحيح.

<<  <   >  >>