فقال: إنَّك تطأُ حائطي إلى عَذْقِكَ، فأنا أُعطيكَ مثلَه في حائطك، وأخرجه عنِّي، فأبى عليه، فكلَّم النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، فقال:«يا أبا لُبابة، خذ مثل عَذقك، فحُزْها إلى مالك، واكفُفْ عن صاحبك ما يكره»، فقال: ما أنا بفاعل، فقال:«اذهب، فأخرج له مثلَ عَذْقِه إلى حائطه، ثم اضرب فوقَ ذلك بجدارٍ، فإنه لا ضررَ في الإسلام ولا ضِرار».
ففي هذا الحديث والذي قبلَه إجبارُه على المعاوضة حيث كان على شريكه أو جاره ضررٌ في تركه، وهذا مثلُ إيجاب الشُّفعة لدفع ضررِ الشَّريك الطَّارئ.
ويُستدلُّ بذلك أيضاً على وجوب العمارة على الشَّريك الممتنع مِنَ العمارة، وعلى إيجاب البيع إذا تعذَّرَت القسمة، وقد ورد من حديث محمد بن أبي بكر، عن أبيه مرفوعاً:«لا تَعْضِية في الميراث إلا ما احتمل القسم»(١) وأبو بكر: هو ابن عمرو بن حزم، قاله الإمام أحمد،
فالحديث حينئذ مرسل، والتعضية: هي القسمة. ومتى تعذَّرَتِ القسمةُ، لكون المقسوم يتضرَّرُ بقسمته، وطلب أحدُ الشَّريكين البيعَ، أجبر الآخر، وقسم الثَّمنُ، نصَّ عليه أحمدُ وأبو عبيد وغيرهما مِنَ الأئمة.
وأما الثاني - وهو منع الجار من الانتفاع بملكه، والارتفاق به - فإن كان ذلك يضرُّ بمن انتفعَ بملكه، فله المنعُ، كمن له جدارٌ واهٍ لا يحتمل أنْ يُطرَحَ عليه خشَبٌ، وأمَّا إنْ لم يضرَّ به، فهل يجب عليه التَّمكين، ويحرم عليه الامتناع أم لا؟ فمن قال في القسم الأول: لا يمنع المالك مِنَ التَّصرُّف في ملكه، وإن أضرَّ بجاره، قال هنا: للجار المنع منَ التصرُّف في ملكه بغير إذنه، ومن قال هناك بالمنع، فاختلفوا هاهنا على قولين: أحدهما: المنع هاهنا وهو قول مالك. والثاني: أنَّه لا يجوزُ المنع، وهو مذهبُ أحمد في طرح الخشب على جدار جاره، ووافقه الشافعيّ في القديم وإسحاق وأبو ثور، وداود، وابنُ المنذر، وعبدُ الملك بن حبيب المالكي، وحكاه مالكٌ عن بعض قُضاة المدينة.
(١) أخرجه: الدارقطني ٤/ ٢١٩، والبيهقي ١٠/ ١٣٣ مرفوعاً بسند ضعيف، وظاهر كلام ابن رجب أنَّ فيه الإرسال حسب، والواقع أنَّ في سند الحديث عنعنة ابن جريج، وهو يدلس تدليساً قبيحاً كما ذكر الدارقطني.