للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما النَّهي عن منع النار، فحملَه طائفةٌ من الفُقهاء على النَّهي عن الاقتباس منها دُونَ أعيانِ الجمر،

ومنهم من حمله على منع الحجارة المُورِيَة للنَّارِ، وهو بعيدٌ، ولو حمل على منع الاستضاءة بالنَّار، وبذل ما فضل عن حاجة صاحبها لمن يستدفئ بها، أو يُنضجُ عليها طعاماً ونحوه، لم يبعد.

وأما الملح، فلعلَّه يُحمل على منع أخذِهِ مِنَ المعادن المُباحَة، فإنَّ الملحَ منَ المعادن الظَّاهرة، لا يُملَكُ بالإحياء، ولا بالإقطاع، نصّ عليه أحمد، وفي " سنن أبي دواد " (١): أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقطع رجلاً الملحَ، فقيل له: يا رسول الله إنّه بمنْزلة الماء العدِّ، فانتزعه منه.

ومما يدخل في عمومِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرَرَ» أنّ الله لم يكلِّف عبادَه فعلَ ما يَضُرُّهم البتَّة، فإنَّ ما يأمرهم به هو عينُ صلاحِ دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عينُ فساد دينهم ودنياهم، لكنَّه لم يأمر عبادَه بشيءٍ هو ضارٌّ لهم في أبدانهم أيضاً، ولهذا أسقط الطَّهارة بالماء عَنِ المريض، وقال: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (٢)، وأسقط الصيام عن المريض والمسافر، وقال: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٣)، وأسقط اجتناب

محظورات الإحرام، كالحلق ونحوه عمن كان مريضاً، أو به أذى من رأسه، وأمرَ بالفدية. وفي " المسند " (٤)

عن ابن عباس، قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأديان أحبُّ إلى الله؟ قال: «الحنيفيَّةُ السَّمحةُ». ومن حديث عائشة (٥)، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنِّي أرسلتُ بحنيفيَّةٍ سَمحَةٍ».


(١) برقم (٣٠٦٤) من حديث أبيض بن حمال، وهو حديث ضعيف.
وأخرجه: الدارمي (٢٦١١)، وابن ماجه (٢٤٧٥)، والترمذي (١٣٨٠)، وابن حبان
(٤٤٩٩)، والدارقطني ٤/ ٢٢١.
(٢) المائدة: ٦.
(٣) البقرة: ١٨٥.
(٤) مسند الإمام أحمد ١/ ٢٣٦.

وأخرجه: عبد بن حميد (٥٦٩)، والبخاري في " الأدب المفرد " (٢٨٧)، والبزار كما في " كشف الأستار " (٧٨)، والطبراني (١١٥٧١) و (١١٥٧٢) عن ابن عباس، به، وهو صحيح بشواهده.
(٥) مسند الإمام أحمد ٦/ ١١٦ و ٢٣٣ وفي سنده عبد الرحمان بن أبي الزناد، وهو ضعيف؛ لكن للحديث شواهد يتقوى بها.

<<  <   >  >>