للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن هذا المعنى ما في " الصحيحين " (١) عن أنسٍ: أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: رأى رجلاً يمشي، قيل: إنّه نذرَ أن يحجَّ ماشياً، فقال: «إنَّ الله لغنيٌّ عن مشيه، فليركب»، وفي رواية: «إن الله لغنيٌّ عن تعذيب هذا نفسَه».

وفي " السنن " (٢) عن عُقبة بن عامر أنَّ أختَه نذرت أنْ تمشي إلى البيت، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله لا يَصنَعُ بشقاءِ أختك شيئاً فلتَرْكَبْ».

وقد اختلفَ العلماءُ في حكم من نذَر أن يحجَّ ماشياً، فمنهم من قال: لا يلزمُه المشيُ، وله الرُّكوبُ بكلِّ حالٍ، وهو رواية عن أحمد والأوزاعيِّ. وقال أحمد: يصومُ ثلاثة أيَّام، وقال الأوزاعي: عليه كفَّارةُ يمين، والمشهور أنَّه يلزمُه ذلك إن أطاقه، فإن عجز عنه، فقيل: يركبُ عند العجز، ولاشيءَ عليه، وهو أحدُ

قولي الشَّافعيِّ (٣).

وقيل: بل عليه - مع ذلك - كفارةُ يمين، وهو قول الثَّوري وأحمد في رواية.

وقيل: بل عليه دمٌ، قاله طائفةٌ مِنَ السَّلف، منهم عطاءٌ ومُجاهدٌ والحسنُ واللَّيثُ وأحمدُ في رواية.

وقيل: يتصدَّقُ بكراء ما ركبَ، وروي عن الأوزاعيِّ، وحكاه عن عطاء، وروي عن عطاء: يتصدَّقُ بقدر نفقته عند البيت.

وقالت طائفة من الصَّحابة وغيرهم: لا يُجزئُه الرُّكوبُ، بل يَحُجُّ من قابِلٍ، فيمشي ما رَكِبَ، ويركبُ ما مشى، وزاد بعضُهم: وعليه هديٌ، وهو قول مالكٍ إذا كان ما ركبه كثيراً.


(١) صحيح البخاري ٣/ ٢٥ (١٨٦٥) و ٨/ ١٧٧ (٦٧٠١)، وصحيح مسلم ٥/ ٧٩
(١٦٤٢) (٩).
(٢) أخرجه: أبو داود (٣٢٩٣)، وابن ماجه (٢١٣٤)، والترمذي (١٥٤٤)، والنسائي ٧/ ٢٠ وفي " الكبرى "، له (٤٧٥٧) عن عقبة بن عامر، به.
وأخرجه: أبو داود (٣٣٠٤)، وابن خزيمة (٣٠٤٥) عن ابن عباس، عن عقبة بن عامر، به.
وأصل الحديث في الصحيحين (البخاري ٣/ ٢٥ (١٨٦٦)، ومسلم ٥/ ٧٨ (١٦٤٤))، ولفظه عن عقبة بن عامر أنَّه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن استفتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لتمشِ ولتركب».
(٣) انظر: الأم ٣/ ٦٦١.

<<  <   >  >>