للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وطريق ثالث وهو أنَّ البينة: كُلُّ ما بيَّن صحَّة دعوى المدَّعي، وشهِدَ بصدقِه، فاللوثُ مع القسامة بيِّنةٌ، والشَّاهد مع اليمين بيِّنةٌ.

وطريق رابع سلكه بعضُهم، وهو الطَّعنُ في صحَّةِ هذه اللفظة، أعني قولَه:

«البينة على المدَّعي»، وقالوا: إنَّما الثَّابتُ هو قوله: «اليمينُ على المدَّعى عليه». وقوله: «لو يُعطى الناسُ بدعواهم، لادَّعى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهم»، يدلُ على أنَّ مدَّعي الدَّمِ والمالِ لابدَّ له مِنْ بيِّنةٍ تدلُّ على ما ادَّعاه، ويدخل في عموم ذلك أنّ مَنِ ادَّعى على رجلٍ أنَّه قتل موروثَه، وليس معه إلاّ قولُ المقتولِ عند موته: جرحني فلان، أنَّه لا يُكتفى بذلك، ولا يكونُ بمجرَّده لوثاً، وهذا قولُ الجمهور، خلافاً للمالكيَّة، وأنَّهم جعلوه لوثاً يقسم معه الأولياءُ، ويستحقُّون الدَّم.

ويدخل في عمومه أيضاً من قذف زوجته ولاعَنَها، فإنَّه لا يُباحُ دمُها بمجرَّدِ

لعانها، وهو قولُ الأكثرين خلافاً للشافعي، واختار قولَه الجوزجانيُّ، لظاهر قوله - عز وجل -: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ} (١)،

والأوَّلون منهم من حمل العذابَ على الحبس، وقالوا: إنْ لم تلاعِن، حُبِست حتى تُقرَّ أو تُلاعِن، وفيه نظر.

ولو ادَّعت امرأةٌ على رجل أنَّه استكرهها على الزِّنى، فالجمهورُ أنَّه لا يثبتُ بدعواها عليه شيء. وقال أشهب من المالكية: لها الصداقُ بيمينها، وقال غيرُه منهم: لها الصَّداقُ بغيرِ يمين، هذا كلُّه إذا كانت ذاتَ قدر، وادَّعت ذلك على متَّهم تليقُ به الدَّعوى، وإنْ كان المرميُّ بذلك مِنَ أهل الصَّلاح، ففي حدِّها للقذف عن مالك روايتان.

وقد كان شُريح وإياس بن معاوية يحكمان في الأموال المتنازع فيها بمجرَّد القرائن الدَّالَّةِ على صدق أحد المتداعيين، وقضى شُريحٌ في أولاد هرَّةٍ تداعاها امرأتان، كلٌّ منهما تقولُ هي ولد هِرَّتي، قال شريحُ: ألقِها مع هذه، فإن هي قرَّت ودرَّت واسبطرَّتْ فهي لها، وإن هي فرت وهرَّت وازبأرت، فليس لها (٢). قال ابن قتيبة:


(١) النور: ٨.
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء ٤/ ١٠٥.

<<  <   >  >>