للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا ردُّ اليمين على المدَّعي، فالمشهورُ عن أحمد موافقةُ أبي حنيفة (١)، وأنَّها لا تُرَدُّ، واستدلَّ أحمدُ بحديثِ: «اليمين على المدَّعى عليه»، وقال في رواية أبي طالب عنه: ما هو ببعيدٍ أن يقال له: تحلف وتستحقُّ، واختار ذلك طائفةٌ مِنْ متأخِّري الأصحاب، وهو قولُ مالك والشافعي وأبي عُبيد، ورُوي عن طائفة مِنَ الصَّحابة، وقد ورد فيه حديثٌ مرفوعٌ خرَّجه الدارقطني (٢) وفي إسناده نظر (٣).

قال أبو عبيد: ليس هذا إزالةً لليمين عن موضعها، فإنَّ الإزالة أنْ لا يقضي باليمين على المطلوب، فأمَّا إذا قُضِيَ بها عليه، فرضي بيمين صاحبه، كان هو الحاكم على نفسه بذلك، لأنَّه لو شاء، لحلف وبريء، وبطلَت عنه الدَّعوى.

والقول الثاني في المسألة: أنَّه يُرجَّحُ جانبُ أقوى المتداعيين، وتجعل اليمينُ في جانبه، هذا مذهب مالكٍ، وكذا ذكر القاضي أبو يعلى في خلافه أنَّه مذهبُ أحمد، وعلى هذا تتوجَّهُ المسائلُ التي تقدَّم ذكرُها مِن الحكم بالقسامة والشَّاهِد واليمين،

فإنَّ جانبَ المدعي في القسامة لمَّا قوي باللوث جُعِلَتْ اليمينُ في جانبه، وحُكِمَ له بها، وكذلك المدَّعي إذا أقام شاهداً، فإنه قوي جانبه، فحلف معه، وقُضي له.

وهؤلاء لهم في الجواب عن قوله: «البينة على المدعي» طريقان: أحدهما: أنَّ هذا خُصَّ من هذا العموم بدليل.

والثاني: أنَّ قوله: «البينة على المدعي» ليس بعامٍّ؛ لأنَّ المرادَ: على المدعي المعهود، وهو من لا حُجَّةَ له سوى الدَّعوى كما في قوله: «لو يُعطى الناسُ بدعواهم، لادَّعى رجالٌ دماءَ قومٍ وأموالهم»، فأمَّا المدَّعي الذي معه حجةٌ تقوِّي دعواه، فليس داخلاً في هذا الحديث.


(١) فتح الباري ٥/ ٣٤٧.
(٢) في " سننه " ٤/ ٢١٣ من طريق محمد بن مسروق، عن إسحاق بن الفرات، عن الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رد اليمين على طالب الحق.
وأخرجه: الحاكم ٤/ ١٠٠، وتمام في " فوائده " (٩٣٣)، والبيهقي ١٠/ ١٨٤ عن ابن
عمر.
(٣) وهو أنَّ في إسناده محمد بن مسروق، وهو مجهول لا يعرف.

<<  <   >  >>