للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقسم آخر إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله، فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً، فلا خيرَ في ذلك، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} (١)، وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً، فهو حسن، وقد تمنَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشَّهادة في سبيل الله - عز وجل -. وفي " الصحيحين " (٢) عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا حسدَ إلاَّ في اثنتين:

رجلٌ آتاه اللهُ

مالاً، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النَّهار، ورجلٌ آتاهُ اللهُ القرآن، فهو يقومُ به آناء اللَّيل وآناءَ النَّهار»، وهذا هو الغبطة، وسماه حسداً من باب الاستعارة.

وقسم آخر إذا وجدَ من نفسه الحسدَ سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداءِ الإحسان إليه، والدُّعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتّى يبدلَه بمحبَّة أنْ يكونَ أخوه المسلمُ خيراً منه وأفضلَ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (٣).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تناجَشوا»: فسَّره كثيرٌ من العلماء بالنَّجْشِ (٤) في البيع، وهو: أن يزيدَ في السِّلعة من لا يُريدُ شِراءها (٥)، إمَّا لنفع البائع بزيادةِ الثَّمن له، أو بإضرارِ المشتري بتكثير الثمن عليه، وفي " الصحيحين " (٦) عن ابنِ عمرَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن النَّجش.

وقال ابن أبي أوفى: النَّاجش: آكلُ ربا خائنٌ، ذكره البخاري (٧).


(١) القصص: ٧٩.
(٢) صحيح البخاري ٩/ ١٨٩ (٧٥٢٩)، وصحيح مسلم ٢/ ٢٠١ (٨١٥) (٢٦٦).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " عقب (٢١٤٢): «بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة».
(٥) انظر: لسان العرب (نجش).
(٦) صحيح البخاري ٣/ ٩١ (٢١٤٢) و ٩/ ٣١ (٦٩٦٣)، وصحيح مسلم ٥/ ٥ (١٥١٦) (١٣).
(٧) في " صحيحه " ٣/ ٩١ معلقاً.

<<  <   >  >>