للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابنُ عبد البرِّ: أجمعوا أنَّ فاعلَه عاصٍ لله - عز وجل - إذا كان بالنَّهي عالماً (١).

واختلفوا في البيع، فمنهم من قال: إنَّه فاسدٌ، وهو روايةٌ عن أحمد (٢)، اختارها طائفةٌ من أصحابه، ومنهم من قال: إنْ كان الناجشُ هو البائعَ، أو من واطأه البائع على النَّجش فسد؛ لأنَّ النَّهيَ هُنا يعودُ إلى العاقدِ نفسِه، وإنْ لم يكن كذلك، لم يفسُد، لأنَّه يعودُ إلى أجنبيٍّ. وكذا حُكِي عَنِ الشَّافعيِّ أنَّه علَّل صحة البيع بأنَّ البائعَ غيرُ النَّاجش (٣)، وأكثرُ الفقهاء على أنَّ البيعَ صحيحٌ مطلقاً وهو قولُ أبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد في رواية عنه، إلاَّ أنَّ مالكاً وأحمد أثبتا للمشتري الخيارَ إذا لم يعلم بالحال (٤)، وغُبِنَ غَبناً فاحشاً يخرج عن العادة،

وقدَّره مالكٌ وبعضُ أصحاب أحمد بثلث الثَّمنِ، فإن اختارَ المشتري حينئذٍ الفسخَ، فله ذلك، وإن أراد الإمساكَ، فإنَّه يحطُّ ما غُبِنَ به من الثَّمن، ذكره أصحابنا.

ويحتمل أن يُفسَّرَ التَّناجُشُ المنهيُ عنه في هذا الحديث بما هو أعمُّ من ذلك، فإنَّ أصلَ النَّجش في اللُّغة: إثارةُ الشَّيءِ بالمكرِ والحيلةِ والمخادعةِ، ومنه سُمِّي النَّاجِشُ في البيع ناجشاً، ويسمّى الصَّائدُ في اللغة ناجشاً (٥)، لأنَّه يُثير الصَّيد بحيلته عليه، وخِداعِه له، وحينئذٍ، فيكونُ المعنى: لا تتخادَعوا، ولا يُعامِلْ بعضُكُم بعضاً بالمكرِ والاحتيال. وإنَّما يُرادُ بالمكر والمخادعة إيصالُ الأذى إلى المسلم: إمَّا بطريقِ الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصولُ الضَّرر إليه، ودخولُه عليه، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} (٦). وفي حديث ابن مسعودٍ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ غَشَّنا فليس منَّا، والمكرُ والخِداعُ في النار» (٧).


(١) انظر: التمهيد ١٣/ ٣٤٨.
(٢) انظر: المغني ٤/ ١٤٨.
(٣) انظر: تحفة الأحوذي ٤/ ٤٤٢ (ط. دار الكتب العلمية).
(٤) انظر: التمهيد ١٨/ ١٩٣، وحاشية الدسوقي ١٨/ ١٩٣.
(٥) انظر: " لسان العرب " (نجش).
(٦) فاطر: ٤٣.
(٧) أخرجه: ابن حبان (٥٦٧) و (٥٥٥٩)، والطبراني في " الكبير " (١٠٢٣٤) وفي
" الصغير "، له (٧٢٥)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٤/ ١٨٩، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٢٥٣) و (٢٥٤) و (٣٥٤)، وكل طرق الحديث لا تخلو من مقال.

<<  <   >  >>