للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ستر الله عورته يومَ القيامة، ومن كشفَ عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتّى يفضحه بها في بيته».

وخرَّج الإمام أحمد (١) من حديث عقبة بن عامر سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، يقول:

«من ستر مؤمناً في الدنيا على عورةٍ، ستره الله - عز وجل - يوم القيامة».

وقد رويَ عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركتُ قوماً لم يكن لهم عيوبٌ، فذكروا عيوبَ الناس، فذكر الناسُ لهم عيوباً، وأدركتُ أقواماً كانت لهم عيوبٌ،

فكفُّوا عن عُيوب الناس، فنُسِيَت عيوبهم (٢)، أو كما قال.

وشاهد هذا حديث أبي بَرْزَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه قال: «يا معشرَ من آمن

بلسانه، ولم يدخُلِ الإيمانُ في قلبه، لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تتبعُوا عوراتهم، فإنَّه منِ اتَّبَع عوراتهم، تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته، يفضحه في بيته» خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود (٣)، وخرَّج الترمذي (٤) معناه من حديث ابن عمر.

واعلم أنَّ النَّاس على ضربين:

أحدهما: من كان مستوراً لا يُعرف بشيءٍ مِنَ المعاصي، فإذا وقعت منه هفوةٌ، أو

زلَّةٌ، فإنَّه لا يجوزُ كشفها، ولا هتكُها، ولا التَّحدُّث بها، لأنَّ ذلك غيبةٌ محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النُّصوصُ، وفي ذلك قد قال الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (٥). والمراد: إشاعةُ الفَاحِشَةِ على المؤمن المستتر فيما وقع منه، أو اتُّهِمَ به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك. قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف: اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب،


(١) في " مسنده " ٤/ ١٥٣ و ١٥٩، وفي إسناده مقال.
(٢) أخرجه: الجرجاني في " تأريخ جرجان " ١/ ٢٥١ ترجمة (٤٠٦) عن أحمد بن الحسن بن هارون. انظر: الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي (٤٨٣٠).
(٣) أحمد ٤/ ٤٢٠ و ٤٢٤، وأبو داود (٤٨٨٠)، وهو حديث قويٌّ.
(٤) في " جامعه " (٢٠٣٢).
(٥) النور: ١٩.

<<  <   >  >>