للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً، وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّرْهُ، لم يُستفسر، بل يُؤمَر بأنْ يرجع ويستُر نفسه، كما أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً والغامدية (١)، وكما لم يُستفسر الذي قال: «أصبتُ حدّاً، فأقمه عليَّ» (٢). ومثلُ هذا لو أخذَ بجريمته، ولم يبلغِ الإمامَ، فإنَّه يُشفع له حتّى لا يبلغ الإمام. وفي مثله جاء الحديثُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم». خرَّجه أبو داود والنَّسائي مِن حديث عائشة (٣).

والثاني: من كان مشتهراً بالمعاصي، معلناً بها لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيل له فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البصريُّ (٤) وغيره،

ومثلُ هذا لا بأس بالبحث عن أمره، لِتُقامَ عليه الحدودُ. صرَّح بذلك بعضُ أصحابنا، واستدلَّ بقولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «واغدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا، فإنِ اعترفت، فارجُمها» (٥). ومثلُ هذا لا يُشفَعُ له إذا أُخِذَ، ولو لم يبلغِ السُّلطان، بل يُترك حتّى يُقامَ عليه الحدُّ لينكفَّ شرُّه، ويرتدعَ به أمثالُه. قال

مالك: من لم يُعْرَفْ منه أذى للناس، وإنَّما كانت منه زلَّةٌ، فلا بأس أنْ يُشفع له ما لم يبلغ الإمام، وأمَّا من عُرِفَ بشرٍّ أو فسادٍ، فلا أحبُّ أنْ يشفعَ له أحدٌ، ولكن يترك حتى يُقام عليه الحدُّ، حكاه ابن المنذر وغيره (٦).


(١) أخرجه: مسلم ٥/ ١١٩ (١٦٩٥) (٢٢) و ١٢٠ (١٦٩٥) (٢٣).
(٢) هو ماعز بن مالك، وهذا الحديث أخرجه: مسلم في " صحيحه " ٥/ ١١٨ (٦١٩٤)
(٢٠) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) أخرجه: أبو داود (٤٣٧٥)، والنسائي في " الكبرى " (٧٢٩٤) - (٧٢٩٨).
وأخرجه: أحمد ٦/ ١٨١، والبخاري في "الأدب المفرد" (٤٦٥)، وابن حبان (١٥٢٠)، وأبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٤٣، والبيهقي ٨/ ٣٣٤ من حديث عائشة، وهو حديث يتقوى بما له من طرق وشواهد.
(٤) ذكر رجل عند الحسن فنال منه فقيل له: يا أبا سعيد ما نراك إلا اغتبت الرجل، فقال: أي لكع هل عبت من شيء فيكون غيبة. أيما رجل أعلن بالمعاصي ولم يكتمها كان ذكركم إياه حسنة لكم، وأيما رجل عمل بالمعاصي فكتمها الناس كان ذكركم إياه غيبته.
أخرجه: الإسماعيلي في " معجم شيوخه " (٢٦٣)، والسمهمي في " تأريخ جرجان " ١/ ١١٥، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٩٦٦٨) عن يونس، عن الحسن.
(٥) أخرجه: البخاري ٣/ ١٣٤ (٢٣١٤) و (٢٣١٥)، ومسلم ٥/ ١٢١ (١٦٩٧)
و (١٦٩٨) (٢٥).
(٦) انظر: المغني لابن قدامة ١٠/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>