للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الله تعالى وصفات اليوم الآخر، كالميزانِ والصراطِ، والجنَّةِ، والنَّار.

وقد أُدخِلَ في هذه الآيات الإيمانُ بالقدرِ خيرِه وشرِّه، ولأجلِ هذه الكلمةِ روى ابنُ عمر هذا الحديث محتجّاً به على مَنْ أنكَرَ القدرَ، وزعمَ أنَّ الأمرَ أنفٌ: يعني أنّه (١) مستأَنَفٌ لم يسبق به سابقُ قدرٍ مِنَ اللهِ عز وجل، وقد غلَّظ ابنُ عمرَ عليهم، وتبرّأ منهم، وأخبرَ أنّه لا تُقبلُ منهم أعمالُهم بدونِ الإيمانِ بالقدر (٢).

والإيمانُ بالقدرِ على درجتين (٣):

إحداهما: الإيمان بأنَّ الله تعالى سبقَ (٤) في علمه ما يَعمَلُهُ العبادُ من خَيرٍ وشرٍّ وطاعةٍ ومعصيةٍ قبلَ خلقهِم وإيجادهم، ومَنْ هُو منهم مِنْ أهلِ الجنَّةِ، ومِنْ أهلِ النَّارِ، وأعدَّ لهُم الثَّوابَ والعقابَ جزاءً لأعمالهم قبل خلقِهم وتكوينهم، وأنَّه كتبَ ذلك عندَه وأحصاهُ (٥)، وأنَّ أعمالَ العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه (٦).

والدرجةُ الثانية: أنَّ الله تعالى خلقَ أفعالَ عبادِهِ كلَّها (٧) مِنَ الكُفر والإيمانِ والطاعةِ والعصيانِ وشاءها منهم، فهذه الدَّرجةُ (٨) يُثبِتُها أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، ويُنكرها القدريةُ، والدرجةُ الأولى أثبتها كثيرٌ مِنَ القدريَّةِ، ونفاها غُلاتُهم، كمعبدٍ الجُهنيِّ، الذي سُئِل ابنُ عمرَ عنْ مقالتِهِ، وكعمرو بن عُبيدٍ وغيره (٩).


(١) سقطت من (ص).
(٢) انظر: مجموعة الفتاوى لابن تيمية ١٣/ ٢٣.
(٣) انظر: شرح العقيدة الواسطية: ٤٤٢.
(٤) في (ص): «الإيمان بالله أنه سبق».
(٥) زاد بعدها في (ص): «وأعد لهم».
(٦) انظر: شرح العقيدة الواسطية: ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٧) سقطت من (ص).
(٨) زاد بعدها في (ص): «الثانية».
(٩) انقسم الناس في باب القدر إلى ثلاثة أقسام:
قسم آمنوا بقدر الله - عز وجل - وغلوا في إثباته، حتى سلبوا الإنسان قدرته واختياره، وقالوا: إنَّ الله فاعل كل شيء، وليس للعبد اختيار وَلا قدرة، وإنما يفعل الفعل مجبراً عليه، بل إنَّ بعضهم ادعى أنَّ فعل العبد هو فِعل الله، ولهذا دخل من بابهم أهل الاتحاد والحلول، وهؤلاء هم الجبرية.
والقسم الثاني قالوا: إنّ العبد مستقل بفعله، وليس لله فيه مشيئة ولا تقدير، حتى غلا بعضهم، فقال: إنَّ الله لا يعلم فعل العبد إلاّ إذا فعله، أما قبل فلا يعلم عنه شيئاً، وهؤلاء هم القدرية، مجوس هذه الأمُة.
فالأولون غلوا في إثبات أفعال الله وقدره وقالوا: إنَّ الله - عز وجل - يجبر الإنسان على فِعله، وليس للإنسان اختيار.
والآخرون غلوا في إثبات قدرة العبد، وقالوا: إنَّ القدرة الإلهية والمشيئة الإلهية لا عِلاقة لها في فِعل العَبد، فهو الفاعِل المطلق الاختيار.
القسم الثالث: أهل السنة والجماعة، قالوا: نحن نأخذ بالحق الذي مع الجانبين، فنقول: إنّ فعل العبد واقع بمشيئة الله وخلق الله، ولا يمكن أنْ يكون في ملك الله مالا يشاؤه أبداً، والإنسان له اختيار وإرادة، ويفرق بين الفِعل الذي يضطر إليه، والفعل الذي يختاره، فأفعال العباد باختيارهم وإرادتهم، ومع ذلك فهي واقعة بمشيئة الله وخلقه. شرح العقيدة الواسطية: ٣٦٤.

<<  <   >  >>