للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعدن أبين همَّ هوَ من قول ابن مسعود، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وقد تُضاعَفُ السيِّئاتُ بشرف فاعلها، وقوَّة معرفته بالله، وقُربِه منه، فإنَّ مَنْ عَصى السُّلطان على بِساطِه أعظمُ جُرماً (١) مِمَّن عصاه على بُعد، ولهذا توعَّد الله خاصَّةَ عباده على المعصية بمضاعَفةِ الجزاء، وإن كان قد عصمَهم منها، ليبيِّنَ لهم فضله عليهم بِعصمَتهم مِنْ ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} (٢).

وقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (٣). وكان عليُّ بن الحسين يتأوَّل في آل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم مثل ذلك لقربهم من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

النوع الثالث: الهمُّ بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة، وإنْ لم يعملها، كما في حديث ابن عباس وغيره، وفي حديث أبي هريرة الذي خرَّجه مسلمٌ (٤) كما تقدم: «إذا تحدَّث عبدي بأن يعملَ حسنةً، فأنا أكتُبها له حسنةً»، والظَّاهِرُ أن المرادَ بالتَّحدُّث: حديث النفس، وهو الهمُّ،

وفي حديث خريم بن فاتك: «مَن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها» فعَلِمَ الله أنَّه قد أشعرها قلبَه، وحَرَصَ عليها، كتبت له

حسنة، وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بالهمِّ هنا: هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم.

قال أبو الدرداء: من أتى فراشه، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ، كتب له ما نوى. وروي عنه مرفوعاً (٥)،


(١) سقطت من (ص).
(٢) الإسراء: ٧٤ - ٧٥.
(٣) الأحزاب: ٣٠ - ٣١.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) أخرجه: ابن خزيمة (١١٧٢)، والحاكم ١/ ٣١١، والبيهقي ٣/ ١٥ مرفوعاً.

وأخرجه: النسائي ٣/ ٢٥٨ وفي " الكبرى "، له (١٤٦٠) موقوفاً، وأعله ابن خزيمة بالوقف، ولم يصححه كما زعم بعضهم، وليتنبه الباحث أنَّ كل ما في صحيح ابن خزيمة فهو محكوم بصحته عنده إلاّ ما ضعفه أو توقف في صحته أو ما قدم المتن على السند.

<<  <   >  >>