للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وغيره.

وقد رواه عن السدي شعبةُ وسفيان، فرفعه شعبة ووقفه سفيان، والقول قول سفيان في وقفه (١).

وقال الضَّحَّاك (٢): إنَّ الرجل ليهِمُّ بالخطيئة بمكّة، وهو بأرض أخرى، فتكتب عليه، ولم يعملها، وقد تقدَّم عن أحمد وإسحاق ما يدلُّ على مثل هذا القول، وكذا حكاه القاضي أبو يعلي عن أحمد. وروى أحمد في رواية المروذي حديثَ ابنِ مسعودٍ هذا، ثم قال أحمد يقول: مَنْ يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ، قال أحمد: لو أنَّ رجلاً بعدنِ أَبْيَنَ (٣)

همَّ بقتل رجل في الحرم، هذا قول الله سبحانه: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، هكذا قول ابن مسعود رحمه الله.

وقد ردَّ بعضهم هذا إلى ما تقدم من المعاصي التي مُتَعلَّقُها القلب، وقال: الحرمُ يجبُ احترامُهُ وتعظيمُه بالقلوب، فالعقوبة على ترك هذا الواجب، وهذا لا يصحُّ، فإنَّ حُرمَةَ الحرمِ ليست بأعظمَ من حُرمَةِ محرِّمه سبحانه، والعزمُ على معصية الله عزمٌ على انتهاكِ محارمِه، ولكن لو عزم على ذلك قصداً، لانتهاكِ حُرمةِ الحرم، واستخفافاً بحُرمته، فهذا كما لو عَزَمَ على فعلِ معصيةٍ لقصدِ الاستخفافِ بحرمةِ الخالق - عز وجل -، فيكفُرُ بذلك، وإنَّما ينتفي الكفرُ عنه إذا كان همُّه بالمعصية لمجرَّد نيل شهوته، وغرض نفسه، مع ذهولِه عن قصدِ مخالفة الله، والاستخفافِ بهيبته وبنظره، ومتى اقترن العملُ بالهمِّ، فإنَّه يُعاقَبُ عليه، سواءٌ كان الفعلُ متأخِّراً أو متقدماً، فمن فعل محرَّماً مرَّةً، ثم عزم على فعله متى قَدَرَ عليه، فهو مُصِرٌّ على المعصية، ومعاقَبٌ على هذه النية، وإن لم يَعُدْ إلى عمله إلاّ بعد سنين عديدة. وبذلك فسّر ابنُ المبارك وغيرُه الإصرار على المعصية.

وبكلِّ حالٍ، فالمعصيةُ إنَّما تكتَبُ بمثلِها من غير مضاعفةٍ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيةِ، ولا ينضمُّ إليها الهمُّ بها، إذا لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها، لعُوقبَ على


(١) انظر: العلل للدارقطني ٥/ ٢٦٨، وتفسير ابن كثير: ١٢٦٩.
(٢) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (١٨٩٢١).
(٣) أبْيَنُ: يفتح أوله ويكسر بوزن أحمر ويقال يبين، وذكره سيبويه في الأمثلة بكسر الهمزة ولا يعرف أهل اليمن غير الفتح، وقال الطبري: «سميت عدن وأبين بعدن وأبين ابني عدنان».
انظر: معجم البلدان ١/ ٧٨ و ٣/ ٣٠١.

<<  <   >  >>