للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنْ يطَّلع عليه النَّاسُ» (١)، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوزَ لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تكلَّم به أو تعمل» على الخَطَراتِ، وقالوا: ما ساكنه العبدُ، وعقد قلبه عليه، فهو مِنْ كسبه وعملِه، فلا يكونُ

معفوّاً عنه، ومِنْ هؤلاء من قال: إنَّه يُعاقَبُ عليه في الدُّنيا بالهموم والغموم، رُويَ ذلك عن عائشة مرفوعاً وموقوفاً، وفي صحَّته نظر.

وقيل: بل يُحاسَبُ العبدُ به يومَ القيامة، فيقفُه الله عليه، ثمَّ يعفو عنه، ولا يعاقبه به، فتكونُ عقوبته المحاسبة، وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاس، والربيع بن أنس، وهو اختيار ابن جرير، واحتجَّ له بحديث ابن عمر (٢)

في النجوى، وذاك ليس فيه عمومٌ، وأيضاً، فإنَّه واردٌ في الذُّنوب المستورة في الدُّنيا، لا في وساوس الصُّدور.

والقول الثاني: لا يُؤاخَذُ بمجرَّد النية مطلقاً، ونُسِبَ ذلك إلى نصِّ الشافعيِّ، وهو قولُ ابن حامدٍ من أصحابنا عملاً بالعمومات. وروى العَوْفيُّ عن ابنِ عباس ما يدلُّ على مثل هذا القول.

وفيه قول ثالث: أنَّه لا يُؤاخَذُ بالهمِّ بالمعصية إلاّ بأنْ يهِمَّ بارتكابها في الحَرَم، كما روى السُّديُّ، عن مرَّةَ، عن عبد الله بن مسعود، قال: ما من عبدٍ يهِمُّ بخطيئةٍ، فلم يَعمَلها، فتكتب عليه، ولو همَّ بقتل إنسان عندَ البيت، وهو بِعَدَنِ أَبْيَنَ، أذاقَهُ الله من عذابٍ أليم، وقرأ عبدُ الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (٣). خرَّجه الإمام أحمد (٤)


(١) سبق تخريجه في الحديث السابع والعشرين، من حديث النواس بن سمعان.
(٢) أخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (١٦٦)، وأحمد ٢/ ٧٤ و ١٠٥، وعبد بن حميد
(٨٤٦)، والبخاري ٣/ ١٦٨ (٢٤٤١) و ٦/ ٩٣ (٤٦٨٥) و ٨/ ٢٤ (٦٠٧٠) و ٩/ ١٨١ (٧٥١٤)، ومسلم ٨/ ١٠٥ (٢٧٦٨) (٥٢)، وابن ماجه
(١٨٣)، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (٤٣٧)، والطبري في " تفسيره " (١٣٩٧١)، وابن حبان (٧٣٥٥) عن ابن عمر، به.
والنجوى: هي ما تكلم به المرءُ يسمع نفسه لا يسمعُ غيره، أو يسمع غيره سراً دون من يليه.

وقال الراغب: ناجيته إذا ساررته، وأصله أنْ تخلو في نجوه من الأرض، انظر: فتح الباري ١٠/ ٥٩٩.
(٣) الحج: ٢٥.
(٤) أخرجه: أحمد ١/ ٤٢٨ و ٤٥١.
وأخرجه: البزار كما في " كشف الأستار " (٢٢٣٦)، وأبو يعلى (٥٣٨٤)، والطبري في " تفسيره " ١٧/ ١٤٠ - ١٤١، والطبراني في " الكبير " (٩٠٧٨)، والحاكم ٢/ ٣٨٧ موقوفاً.
وأخرجه: الحاكم ٢/ ٣٨٨ مرفوعاً، ولا يصح.

<<  <   >  >>