للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكره، وفي هذا المعنى الأثر الإسرائيلي المشهور: «يقول الله: ما وسعني سمائي ولا أرضي، ولكن وسعني قلبُ عبدي المؤمن» (١).

وقال بعضُ العارفين: احذروه، فإنَّه غيورٌ لا يُحبُ أنْ يرى في قلبِ عبده غيرَه، وفي هذا يقول بعضهم:

ليس للنَّاسِ موضِعٌ في فؤادي … زاد فيه هواك حتَّى امتلا

وقال آخر:

قَدْ صِيغَ قلبي على مقدار حبِّهمُ … فما لِحبٍّ سواهم فيه مُتَّسعُ

وإلى هذا المعنى أشار النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في خطبته لما قدم المدينة فقال: «أحبوا الله من كلِّ قلوبكم» كما ذكره ابن إسحاق في " سيرته " (٢) فمتى امتلأ القلبُ بعظمةِ الله تعالى، محا ذلك مِنَ القلب كلَّ ما سواه، ولم يبقَ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه، ولا إرادة إلاَّ لما يريدهُ منه مولاه، فحينئذٍ لا ينطِقُ العبدُ إلاّ بذكره، ولا يتحرَّك إلا بأمره، فإنْ نطقَ، نطق بالله، وإنْ سمِعَ، سمع به، وإنْ نظرَ، نظر به، وإنْ بطشَ، بطش به،

فهذا هو المرادُ بقوله: «كنت سمعه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يُبصرُ به، ويده التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها» (٣)، ومن أشار إلى غير هذا، فإنَّما يُشير إلى الإلحاد مِنَ الحلول، أو الاتِّحاد، والله ورسولُه بريئان منه.

ومن هنا كان بعضُ السَّلف كسليمان التيمي يرون أنّه لا يحسن أن يعصي الله. ووصَّتِ امرأةٌ مِنَ السَّلف أولادها، فقالت لهم: تعوَّدُوا حبَّ الله وطاعته، فإنَّ المتَّقين


(١) ذكره: الزركشي في " التذكرة في الأحاديث المشتهرة ": ١٣٥، والسخاوي في " المقاصد الحسنة " (٩٩٠)، والملا علي القاري في " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " (٦٥٧) و (٨١٠) و (١٠٢١)، والعجلوني في " كشف الخفاء " (٢٢٥٦).
وانظر: أسنى المطالب (١٢٩٠)، وقد أجاد ابن رجب - رحمه الله - حينما نسبه إلى الإسرائيليات؛ فهذا مما ورد عن أهل الكتاب كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في

" مجموع الفتاوى " ١٨/ ١٢٢، والسيوطي في " الدرر المنتثرة ": ٣٦٢، ويخطئ بعض الناس فينسب هذا حديثاً نبوياً، وهو لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) السِّيرة النَّبوية لابن هشام ٢/ ١٠٦ (وهي تهذيب لسيرة ابن إسحاق)، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " ٢/ ٥٢٥ وسنده مرسل، وانظر: السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ١/ ٥٠٤.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>