للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألِفُوا الطّاعة، فاستوحشت جوارحُهُم من غيرها، فإنْ عرض لهمُ الملعونُ بمعصيةٍ، مرَّت المعصيةُ بهم محتشمةً، فهم لها منكرون.

ومن هذا المعنى قولُ عليٍّ: إنْ كُنَّا لنرى أنَّ شيطان عمر ليهابُه أن يأمُرَه بالخطيئة (١)، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ هذا مِنْ أسرار التوحيد الخاصة، فإنَّ معنى لا إله إلا الله: أنَّه لا يؤلَّه غيرُه حباً، ورجاءً، وخوفاً، وطاعةً، فإذا تحقَّق القلبُ بالتَّوحيد التَّامِّ، لم يبق فيه محبةٌ لغير ما يُحبُّه الله، ولا كراهة لغير ما يكرهه الله، ومن كان كذلك، لم تنبعثْ جوارحُهُ إلاّ بطاعة الله، وإنَّما تنشأ الذُّنوب من محبَّة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يُحبه الله، وذلك ينشأ من تقديم هوى النَّفس على محبَّة الله وخشيته، وذلك يقدحُ في كمال التَّوحيد الواجبِ، فيقعُ العبدُ بسببِ ذلك في التَّفريط في بعض الواجبات، أو ارتكابِ بعضِ المحظوراتِ، فأمَّا من تحقَّق قلبُه بتوحيدِ الله، فلا يبقى له همٌّ إلا في الله وفيما يُرضيه به، وقد ورد في الحديث مرفوعاً: «من أصبح وَهمُّه غيرُ الله، فليس من الله» (٢)،

وخرَّجه الإمام أحمد من حديث أبيِّ بن كعب موقوفاً قال: مَن أصبح وأكبر همِّه غيرُ الله فليس من الله. قال

بعض العارفين: من أخبرك أنَّ وليه له همٌّ في غيره، فلا تُصدِّقه.

كان داود الطائي يُنادي بالليل: همُّك عَطَّل عليَّ الهمومَ، وحالف بيني وبين السُّهاد، وشوقي إلى النَّظر إليك أوثق مني اللذات، وحالَ بيني وبين الشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب (٣)، وفي هذا يقول بعضهم:

قالوا تشاغَلَ عنَّا واصطفى بدلاً … منَّا وذلك فعلُ الخائن السالي

وكيف أشغلُ قلبي عن محبتكم … بغير ذِكركُم يا كُلَّ أشغالي


(١) ذكره: ابن الجوزي في " مناقب عمر ": ٢٢٥ عن الشعبي، عن علي، به مطولاً.
(٢) أخرجه: الحاكم ٤/ ٣٢٠ عن عبد الله بن مسعود، به.
وأخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٣/ ٤٨، والبيهقي في " شعب الإيمان " (١٥٨٥)
و (١٠٥٨٦)، وطبعة الرشد (١٠١٠١) و (١٠١٠٢) عن أنس بن مالك، به، وهو حديث ضعيف لا يصح.
(٣) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٧/ ٣٥٦ - ٣٥٧.

<<  <   >  >>