للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخرج قومٌ في غزاةٍ في سبيل الله، وكان لبعضهم حمارٌ، فمات وارتحل أصحابُه، فقام فتوضأ وصلّى، وقال: اللهمَّ إنِّي خرجتُ مجاهداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأشهدُ أنَّك تُحيي الموتى، وتبعثُ مَنْ في القبور، فأحي لي حماري، ثم قام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفضُ أذنيه، فركبه ولَحِقَ أصحابه، ثمَّ باع الحمارَ بعدَ ذلك بالكُوفة (١).

وخرجت سريَّةٌ في سبيل الله، فأصابهم بردٌ شديد حتّى كادوا أن

يهلِكُوا، فدعَوا الله - عز وجل - وإلى جانبهم شجرةٌ عظيمةٌ، فإذا هي تلتهبُ ناراً، فجفَّفُوا ثيابهم، ودفِئُوا بها حتّى طلعت عليهم الشمس، فانصرفوا، وردت الشجرة على هيئتها.

وخرج أبو قِلابة صائماً حاجاً فتقدم أصحابَه في يومٍ صائفٍ، فأصابه عطشٌ شديدٌ، فقال: اللهمَّ إنَّك قادرٌ على أنْ تُذهِبَ عطشي من غير فطرٍ، فأظلَّته سحابةٌ، فأمطرت عليه حتّى بلَّتْ ثوبه، وذهب العطشُ عنه، فنَزل فحوَّض حياضاً فملأها، فانتهى إليه أصحابُه فشربوا، وما أصابَ أصحابه من ذلك المطر شيءٌ (٢).

ومثلُ هذا كثيرٌ جداً، ويطول استقصاؤُه. وأكثر من كان مجابَ الدعوة من السلف كان يَصبِرُ على البلاء، ويختار ثوابه، ولا يدعو لنفسه بالفرج منه.

وقد رُوي أنَّ سعدَ بن أبي وقاص كان يدعو للناس لمعرفتهم له بإجابة دعوته، فقيل له: لو دعوتَ الله لِبصرك، وكان قد أضرَّ، فقال: قضاءُ الله أحبُّ إليَّ من بصري.

وابتلي بعضُهم بالجُذام، فقيل له: بلغنا أنَّك تَعرِفُ اسمَ الله الأعظم، فلو سألته أنْ يَكشِفَ ما بك؟ فقال: يا ابن أخي، إنَّه هو الذي ابتلاني، وأنا أكره أنْ أُرادَّه (٣).

وقيل لإبراهيم التيمي - هو في سجن الحجاج - لو دعوتَ الله تعالى، فقال: أكره أنْ أدعُوَهُ أنْ يُفرِّجَ عنِّي ما لي فيه أجر. وكذلك سعيدُ بنُ جبير صبر على أذى الحجاج حتّى قتله، وكان مجابَ الدعوة؛ كان له ديكٌ يقوم بالليل بصياحه للصلاة فلم يَصِحْ ليلةً في وقته، فلم يقم سعيدٌ للصلاة فشقَّ عليه فقال: ما له؟ قطع الله صوتَه، فما


(١) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " مجابو الدعوة " (٤٩).
(٢) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " مجابو الدعوة " (١٣١) وفي " الأولياء "، له (٦٣).
(٣) انظر: الأولياء لابن أبي الدنيا: ٢٥.

<<  <   >  >>