للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الروح للجسد، ولا يحصلُ ذلك إلا بألمٍ عظيمٍ جداً، وهو أعظمُ الآلام التي تُصيب العبد في الدُّنيا، قال عمر لِكعبٍ: أخبرني عن الموت، قال يا أميرَ المؤمنين، هو مثلُ شجرةٍ كثيرةِ الشَّوك في جوف ابنِ آدم، فليس منه عِرقٌ ولا مَفْصِل إلا ورجل شديد الذراعين، فهو يعالجها ينْزعها، فبكى عمر (١).

ولما احتضر عمرو بنُ العاص سأله ابنُه عن صفة الموت، فقال: والله لكأنَّ جنبيَّ في تخت، ولكأنِّي أتنفَّسُ من سمِّ إبرة، وكأن غُصنَ شوكٍ يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي (٢).

وقيل لرجل عندَ الموت: كيف تجدُك؟ فقال: أجدني أُجتذب اجتذاباً، وكأنَّ الخناجرَ مختلفة في جوفي، وكأنَّ جوفي تنُّور محمىًّ يلتهِبُ توقداً.

وقيل لآخر: كيف تَجِدُكَ؟ قال: أجدني كأنَّ السماوات منطبقةٌ على الأرض عليَّ، وأجد نفسي كأنَّها تخرجُ من ثقب إبرة.

فلما كان الموت بهذه الشِّدَّةِ، والله تعالى قد حتمه على عباده كلِّهم، ولابدَّ لهم منه، وهو تعالى يكرهُ أذى المؤمن ومساءته، سمَّى تردُّداً في حقِّ المؤمن، فأمَّا الأنبياءُ عليهم السلام، فلا يُقبضون حتَّى يُخيَّروا (٣).

قال الحسن: لمّا كرهت الأنبياءُ الموتَ، هوَّن الله عليهم بلقاء الله، وبكلِّ ما أحبوا من تحفةٍ أو كرامة حتّى إنَّ نَفْسَ أحدهم تُنْزَعُ من بين جنبيه وهو يُحِبُّ ذلك لما قد مُثِّلَ له.

وقد قالت عائشة: ما أُغْبِطُ أحداً يهون عليه الموتُ بعد الذي رأيتُ من شدِّةِ موتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤)،

قالت: وكان عنده قدحٌ من ماءٍ، فيُدخِلُ يدَه في القدح، ثمَّ يمسح وجهَه بالماء، ويقول: «اللهمَّ أعني على سكرات الموت» (٥)


(١) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٣٦٥، وانظر: فتح الباري ١١/ ٤٢١.
(٢) أخرجه: ابن سعد في " الطبقات " ٤/ ١٩٦، وانظر: فتح الباري ١١/ ٤٢١.
(٣) انظر: فتح الباري ١١/ ٤٢١.
(٤) أخرجه: أحمد ٦/ ٦٤ و ٧٧، والبخاري ٦/ ١٤ (٤٤٤٦)، والترمذي (٩٧٩) وفي

" الشمائل "، له (٣٨٨)، والنسائي ٤/ ٦ - ٧.
(٥) أخرجه: أحمد ٦/ ٦٤ و ٧٠ و ٧٧ و ١٥١، وابن ماجه (١٦٢٣)، والترمذي (٩٧٨) وفي " الشمائل "، له (٣٨٧).

<<  <   >  >>