للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفضيلُ بنُ عياض لرجلٍ: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك يُوشِكُ أنْ تَبلُغَ، فقال الرجل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال الفضيلُ: أتعرف تفسيرَه تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن عَلِمَ أنَّه لله عبد، وأنَّه إليه راجع، فليعلم أنَّه موقوفٌ، ومن علم أنَّه موقوف، فليعلم أنَّه مسؤول، ومن عَلِمَ أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلةُ؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي (١)، وفي هذا يقول بعضُهم:

وإنَّ امرءاً قد سارَ سِتِّينَ حِجَّةٍ … إلى مَنهَلٍ من وِرده لقَريبُ

قال بعضُ الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإنْ لم

يسر (٢)، وفي هذا قال بعضهم:

وما هذه الأيامُ إلاَّ مراحِلُ … يحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ

وأعجَبُ شَيءٍ - لو تأمَّلت - أنَّها … مَنازِلُ تُطوى والمُسافِرُ قَاعِدُ (٣)

وقال آخر:

أيا ويحَ نفسي من نهارٍ يقودُها … إلى عسكر الموتى ولَيلٍ يذودُها

قال الحسن: لم يزل الليلُ والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريبِ الآجال، هيهات قد صحبا نوحاً وعاداً وثمودَ وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قَدِموا على ربِّهم، ووردوا على أعمالهم، وأصبح اللَّيلُ والنَّهارُ غضَّيْنِ جديدين، لم يُبلِهُما ما مرَّا به، مستعدِّين لمن بقي بمثل ما أصابا به من مضى.

وكتب الأوزاعيُّ إلى أخٍ له: أما بعد، فقد أُحيطَ بك من كلّ جانب، واعلم أنَّه يُسارُ بك في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فاحذرِ الله، والمقام بين يديه، وأنْ يكونَ آخر عهدك به، والسَّلام (٤).


(١) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٣/ ١١٣.
(٢) بنحوه أخرجه: أبو بكر الدينوري في " المجالسة " (١٠٢٩) عن الحسن.
(٣) ذكر ابن القيم هذين البيتين في " مدارج السالكين " ٣/ ٢٠١ إلا أنَّه لم ينسبهما.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٦/ ١٤٠.

<<  <   >  >>