للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ … وأيّامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحِلُ

ولم أرَ مثلَ الموتِ حقاً كأنَّه … إذا ما تخطَّتْهٌ الأمانيُّ باطِلُ

وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا … فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ

ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّقى … فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِلُ

وأما وصيةُ ابن عمر رضي الله عنهما، فهي مأخوذةٌ مِنْ هذا الحديث الذي رواه، وهي متضمنة لنهاية قِصَرِ الأمل، وأنَّ الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصّباحَ، وإذا أصبح، لم ينتظر المساء، بل يظنُّ أنَّ أجلَهُ يُدركُه قبل ذلك، وبهذا فسّر غيرُ واحدٍ مِنَ العُلماء الزُّهدَ في الدنيا، قال المروذي: قلتُ لأبي عبد الله - يعني: أحمد - أيُّ شيءٍ الزُّهد في الدنيا؟

قال: قِصَرُ الأمل (١)، من إذا أصبحَ، قال: لا أُمسي، قال: وهكذا قال سفيان (٢). قيل لأبي عبد الله: بأيِّ شيء نستعين على قِصَرِ الأمل؟ قال: ما ندري إنَّما هو توفيق.

قال الحسن: اجتمع ثلاثةٌ من العلماء، فقالوا لأحدهم: ما أَمَلُكَ؟ قال: ما أتى عليَّ شهرٌ إلا ظننتُ أنِّي سأموتُ فيه، قال: فقال صاحباه: إنَّ هذا لأمل، فقالا لأحدهم: فما أَمَلُكَ؟ قال: ما أتت عليَّ جمعة إلا ظننتُ أنِّي سأموتُ فيها، قال: فقال صاحباه: إنَّ هذا لأمل، فقالا للآخر: فما أملُك؟ قال: ما أَمَلُ من نفسُه في يد غيره (٣)؟

قال داود الطائي: سألتُ عطوان بنَ عمر التميمي، قلتُ: ما قِصَرُ الأمل؟ قال: ما بين تردُّدِ النَّفَسِ، فحدِّث بذلك الفضيل بن عياض، فبكى، وقال: يقول: يتنفس فيخاف أنْ يموتَ قبل أنْ ينقطعِ نفسُه، لقد كان عطوان مِنَ الموت على حذرٍ (٤).

وقال بعضُ السَّلف: ما نمتُ نوماً قط، فحدثتُ نفسي أنِّي أستيقظ منه.

وكان حبيبٌ أبو محمد يُوصي كُلَّ يومٍ بما يوصي به المحتضِرُ عند موته من تغسيله ونحوه، وكان يبكي كلَّما أصبح أو أمسى، فسُئِلَت امرأته عن بكائه، فقالت: يخاف


(١) أخرجه: البيهقي في " الزهد الكبير " (٧٣).
(٢) أخرجه: ابن أبي شيبة (٣٥٦٨٣)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٦/ ٣٨٦. …
(٣) أخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (٢٥٣).
(٤) ذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " ٣/ ٦٢.

<<  <   >  >>