للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وطرق بعضُهم بابَ أخٍ له، فسأل عنه، فقيل له: ليس هو في البيت، فقال: متى يرجع؟ فقالت له جارية من البيت: من كانت نفسُه في يد غيره، من يعلم متى يرجِعُ، ولأبي العتاهية من جملة أبيات:

وما أدري وإن أَمَّلْتُ عُمراً … لَعَلِّي حِينَ أُصبحُ لَستُ أُمسِي

ألم تَرَ أنَّ كلَّ صباحِ يومٍ … وعُمرُكَ فيه أَقصَرُ مِنهُ أَمسِ

وهذا البيت الثاني أخذه مما روي عن أبي الدرداء (١) والحسن (٢) أنَّهما قالا: ابنَ آدم، إنَّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطتَ من بطن أمك، ومما أنشد بعضُ السَّلف:

إنَّا لنفرحُ بالأيَّامِ نقطعُها … وكُلُّ يومٍ مضى يُدني من الأجل

فاعمَلْ لِنَفسِكَ قبلَ الموتِ مُجتهداً … فإنَّما الرِّبْحُ والخُسرانُ في العَمَلِ

قوله: «وخُذْ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك»، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أنْ يحولَ بينك وبينها السقمُ، وفي الحياة قبل أنْ يحول بينك وبينها الموتُ، وفي رواية: «فإنَّك يا عبدَ الله لا تدري ما اسمُك غداً» يعني: لعلّك غداً مِنَ الأموات دونَ الأحياء.

وقد رُوي معنى هذه الوصيةِ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوه، ففي "صحيح البخاري" عن ابن عباسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّةُ والفراغ» (٣).

وفي " صحيح الحاكم " (٤) عن ابن عباس: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل وهو يَعِظُه: «اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ: شبابّك قبل هَرَمِك، وصحَّتَك قبل سَقَمك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغَكَ قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك».

وقال غنيم بن قيس: كنا نتواعظُ في أوَّل الإسلام: ابنَ آدم، اعمل في فراغك


(١) أخرجه: البيهقي في " الزهد الكبير " (٥١١)، وذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " ١/ ٢٨٢.
(٢) أخرجه: عبد الله بن المبارك (٨٥٢)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٢/ ١٥٥.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) ٤/ ٣٠٦.

<<  <   >  >>