للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وظاهر كلام أحمد منعُ بيعها مطلقاً؛ لأنَّه علل بأنَّ الدُّهنَ المتنجس فيهِ ميتة، والميتة لا يُؤكل ثمنها (١).

وأما بقية أجزاءِ الميتة، فما حُكِمَ بطهارته منها، جاز بيعُه، لجواز الانتفاع به، وهذا كالشَّعر والقَرنِ عندَ من يقول بطهارتهما، وكذلك الجلدُ عندَ من يرى أنَّه طاهر بغيرِ دباغ، كما حُكي عن الزهري، وتبويبُ البخاري يدلُّ عليهِ (٢)، واستدلَّ بقولِهِ: «إنَّما حَرُم من الميتة أكلُها» (٣). وأما الجمهور الذين يرون نجاسة الجلدِ قبل الدباغ، فأكثرهم منعوا من بيعه حينئذٍ؛ لأنَّه جزءٌ من الميتة (٤)، وشذَّ بعضهم، فأجاز بيعه كالثوب النجس، ولكن الثوب طاهر طرأت عليه النجاسةُ، وجلد الميتة جزءٌ منها، وهو نجسُ العين. وقال سالمُ بنُ عبد الله بن عمر: هل بيعُ جلودِ الميتة إلاَّ كأكل لحمها؟ وكرهه طاووس وعكرمة، وقال النخعي: كانوا يكرهون أنْ يبيعوها، فيأكلوا أثمانها.

وأما إذا دبغت، فمن قال بطهارتها بالدبغ، أجاز بيعها،

ومن لم ير طهارتها بذلك، لم يُجِزْ بيعها. ونصَّ أحمد على منع بيعِ القمح إذا كان فيه بولُ الحمار حتى يُغسل، ولعلَّه أراد بيعه ممَّن لا يعلم بحاله، خشية أنْ يأكله ولا يعلم نجاسته.

وأما الكلب، فقد ثبت في " الصحيحين " (٥) عن أبي مسعود الأنصاري أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب.

وفي " صحيح مسلم " (٦) عن رافع بن خديج سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «شرُّ الكسب مَهْرُ البغيّ، وثمن الكلب، وكسب الحجام».


(١) انظر: الشرح الكبير على متن المقنع ٤/ ١٧ - ١٨.
(٢) انظر: فتح الباري ٤/ ٥٣٧ عقيب (٢٢٣٦).
(٣) أخرجه: البخاري ٢/ ١٥٨ (١٤٩٢)، ومسلم ١/ ١٩٠ (٣٦٣) (١٠٠) و (١٠١)، والنسائي ٧/ ١٧٢ وفي " الكبرى "، له (٤٥٦١) و (٤٥٦٢)، وابن حبان (١٢٨٢)
و (١٢٨٤) عن عبد الله بن عباس، به.
(٤) انظر: الشرح الكبير على متن المقنع ١/ ٩٩.
(٥) صحيح البخاري ٣/ ١١٠ (٢٢٣٧)، وصحيح مسلم ٥/ ٣٥ (١٥٦٧) (٣٩).
(٦) ٥/ ٣٥ (١٥٦٨) (٤٠).

<<  <   >  >>