للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (١).

فذكر سبحانه علَّة تحريم الخمر والميسر، وهو القمار، وهو أنَّ الشيطان يُوقعُ بهما العداوةَ والبغضاء، فإنَّ مَنْ سَكِرَ اختلَّ عقلُه، فربَّما تَسَلَّط على أذى الناسِ في أنفسهم وأموالهم، وربما بَلَغَ إلى القتل، وهي أمُّ الخبائث، فمن شَربها، قتلَ النفس وزنى، وربما كفر. وقد روي هذا المعنى عن عثمان (٢) وغيره (٣)،

وروي مرفوعاً أيضاً (٤).

ومن قامر، فربما قُهرَ، وأُخذ ماله منه قهراً، فلم يبق له شيء، فيشتدُّ حِقدُه على من أخذ ماله. وكلُّ ما أدى إلى إيقاع العداوة والبغضاء كان حراماً، وأخبر سبحانه أنَّ الشيطان يصدُّ بالخمر والميسر عن ذكر الله وعنِ الصَّلاةِ، فإنَّ السَّكران يزولُ عقلُه، أو يختلُّ، فلا يستطيعُ أنْ يذكرَ الله، ولا أنْ يُصلِّي، ولهذا قال طائفة مِنَ السَّلف (٥): إنَّ شاربَ الخمر تمرُّ عليه ساعة لا يعرف فيها ربَّه، والله سبحانه إنَّما خلق الخلق ليعرفوه، ويذكروه، ويعبدوه، ويُطيعوه (٦)، فما أدَّى إلى الامتناعِ من ذلك، وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته، كان محرَّماً، وهو السكر، وهذا بخلاف النَّوم، فإنَّ الله تعالى جَبَل العباد عليه، واضطرهم إليه، ولا قِوام لأبدانهم إلا به، إذ هو راحة لهم من السعي والنصب، فهو من أعظم نِعَمِ الله على عباده، فإذا نام المؤمن بقدر الحاجة، ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه، كان نومُه عوناً له على الصلاة والذكر، ولهذا قال من قال من الصحابة: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.


(١) المائدة: ٩٠ - ٩١.
(٢) أخرجه: عبد الرزاق (١٧٠٦٠)، والنسائي ٨/ ٣١٥ و ٣١٦ وفي " الكبرى "، له
(٥١٧٦) و (٥١٧٧)، والبيهقي ٨/ ٢٨٧ - ٢٨٨ و ٢٨٨ موقوفاً.
(٣) أخرجه: الطبراني في " الكبير " (١١٣٧٢) و (١١٤٩٨) عن ابن عباس.
(٤) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " ذم السكر " كما في " نصب الراية " ٤/ ٢٩٧، وابن حبان

(٥٣٤٨) عن عثمان بن عفان مرفوعاً، وسنده ضعيف، والصواب وقفه.
(٥) منهم السديّ. انظر: تفسير الطبري عقيب (٣٢٩٥).
(٦) انظر: التخويف من النار للمصنف ١/ ٥.

<<  <   >  >>