للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك الميسرُ يَصُدُّ عن ذكر الله وعنِ الصَّلاة، فإنَّ صاحبه يَعْكُفُ بقلبه

عليه، ويشتغل به عن جميع مصالحه ومهماته حتى لا يكاد يذكرها لاستغراقه فيه، ولهذا قال عليٌّ لما مرَّ على قوم يلعبون بالشطرنج: ما هذه التماثيلُ التي أنتم لها عاكفون (١)؟ فشبههم بالعاكفين على التماثيل.

وجاء في الحديث: «إنَّ مدمِنَ الخمرِ كعابدِ وثنٍ» (٢)، فإنَّه يتعلق قلبُه بها، فلا يكادُ يُمكنه أنْ يدعَها كما لا يدعُ عابدُ الوثنِ عبادتَه.

وهذا كلُّه مضادٌّ لِما خَلَق اللهُ العبادَ لأجله مِنْ تفريغِ قلوبهم لمعرفته، ومحبَّته، وخشيته، وذكره، ومناجاتِه، ودعائِه، والابتهال إليه، فما حالَ بين بالعبد وبين

ذلك، ولم يكن بالعبد إليه ضرورةٌ، بل كان ضرراً محضاً عليه، كان محرماً، وقد رُوي عن عليٍّ أنّه قال لمن رآهم يلعبون بالشِّطرنج: ما لهذا خُلقتم (٣). ومن

هنا يعلم أنَّ الميسرَ محرَّمٌ، سواء كان بِعوَضٍ أو بغيرِ عوضٍ، وإنَّ الشطرنج

كالنَّرد أو شرٌّ منه؛ لأنَّها تشغلُ أصحابَها عن ذكر الله، وعن الصَّلاةِ أكثر مِنَ

النَّرد.

والمقصودُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلُّ مسكر حرامٌ، وكلُّ ما أسكر عن الصلاة فهو حرام».

وقد تواترت الأحاديثُ بذلك عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فخرَّجا في " الصحيحين " (٤) عن ابنِ عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمر حرام»

ولفظ مسلم: «وكل مسكر حرام». وخرّجا أيضاً (٥) من حديث عائشة أنَّ

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -

سئل عن البِتع، فقال: «كلّ شراب أسكر فهوَ حرام»، وفي رواية

لمسلم: «كل شراب مسكر حرام» وقد صحَّح هذا الحديث أحمد ويحيى بن معين (٦)، واحتجا به ونقل ابن عبد البرّ (٧) إجماعَ


(١) أخرجه: البيهقي ١٠/ ٢١٢.
(٢) أخرجه: ابن ماجه (٣٣٧٥) من حديث أبي هريرة، وإسناده ضعيف لضعف محمد بن سليمان الأصبهاني.
(٣) أخرجه: البيهقي ١٠/ ٢١٢.
(٤) مسلم فقط ٦/ ١٠٠ (٢٠٠٣) (٧٣) و (٧٤) و ١٠١ (٢٠٠٣) (٧٥).
(٥) صحيح البخاري ١/ ٧٠ (٢٤٢) و ٧/ ١٣٧ (٥٥٨٥) و (٥٥٨٦)، وصحيح مسلم ٦/ ٩٩ (٢٠٠١) (٦٧) و (٦٨).
(٦) أسند أبو جعفر النحاس عن يحيى بن معين أنَّ حديث عائشة: «كل شراب أسكر فهو
حرام» أصح حديث في هذا الباب، فتح الباري ١٠/ ٥٦.
(٧) انظر: الاستذكار ٧/ ١٣ - ١٥.

<<  <   >  >>